رئيس التحرير
عصام كامل

حتى المكافآت بالدولار.. والله حرام!


أزمة الدولار تزداد حدة على مدى الساعة، والمواطن البسيط هو من يدفع الثمن صاغرا، ولا يستطيع أن يتكلم فهو يحتاج إلى الحد الأدنى من متطلبات الحياة التي تعينه على البقاء حيا من طعام وشراب وكساء ودواء وسكن.. حتى الهواء النقي الخالي من الأمراض أصبح له ثمن، لا يقوى عليه المواطن محدود الدخل!

والسبب في ذلك أننا نستورد كل شيء.. الضروري وغير الضروري.. ووصلنا إلى حالة من السفه التي طالت كل شيء، رفع فاتورة الاستيراد إلى الحد الذي تعجز معه الحكومة عن الحد منها والسيطرة عليها!

ملوك وأباطرة الاستيراد قرروا إغراق الأسواق بكل شيء، حتى نبدو كأننا شعب متميز لديه كل ما يحتاجه، فأدخل ملك الشيكولاتة منها مائة نوع، وملك التفاح منه مائة نوع، وملوك السكر والزيوت والجبن مئات الأنواع، وملك طعام القطط والكلاب فحدث ولا حرج، وملك لحوم الطاووس والغزلان والنعام وما في حكمهم أنواع وأنواع، وملك الجمبري والكافيار وفواكه البحار ما لذ منها وطاب، لفئة قليلة وليست للغلابة ممن يدفعون هذه التكلفة العالية.. وكله طبعا بالدولار، بالإضافة إلى مستلزمات أفراح أولاد الكبار من ورود ومأكولات وهدايا!

إذا كان هذا مقبولا عند البعض - وهو بالقطع ليس مقبولا عندي - لأن لديهم قدرة على الشراء ولا يعنيهم أن استهلاك الدولار في مثل هذه السلع الاستفزازية يرفع أسعار السلع الأساسية التي يعتمد عليها البسطاء، فإنه ليس مقبولا ولا منطقيا أن تمنح بعض الجهات والمؤسسات مكافآت بالدولار، عن لجان صورية واجتماعات نمطية لأصحاب الحظوة والنفوذ من العاملين بها ومن خارجها، وهي لا تنتج شيئا، في وقت نحتاج فيه إلى الدولار لاستيراد السلع الضرورية والإستراتيجية التي يهدد عدم وجودها المجتمع كله ويعرضه للفشل، وفي وقت ندعو فيه المصريين في الخارج إلى المزيد من تحويل العملة الأجنبية، وفي وقت تتعرض فيه البلاد إلى كارثة أو أزمة في السياحة التي تدر بشكل مباشر الدولار في مجرى الاقتصاد المصري حتى كدنا نقبل الأيادي!

ونحن نعاني من كل ذلك، تصدمك الحقيقة في واقع يبدو أن التغيير لم يصل إليه بعد، وأكاد أشك في وصوله قريبا، فهل يعقل أو يجوز أن تصرف الشركة المصرية للأقمار الصناعية - وهي شركة مملوكة للدولة - مكافآت (بالدولار) لبعض العاملين باتحاد الإذاعة والتليفزيون كممثلين للاتحاد في هذه الشركة، تحت بند حصتهم من الأرباح التي تحققها الشركة، نظير حضور جلسات مجلس الإدارة، تتراوح بين الخمسين ألف والمائة والعشرين ألف دولار للفرد الواحد؟

من أين يتم تدبير هذه المبالغ بالعملة الصعبة؟.. وإذا كان من الضروري صرفها، فلماذا لا تصرف بالجنيه المصري؟.. هل يخاف صاحب القرار أن تبدو المكافأة كبيرة إذا صرفت بالجنيه؛ حيث ستتراوح بين 300 ألف والمليون جنيه؟!

المدهش أن الحديث لا ينقطع عن أهمية وضرورة إعادة هيكلة اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وعن مديونية الاتحاد التي تبلغ المليارات، وعن أزمات صرف الأجور وباقي المستحقات المالية للعاملين فيه، وعن العمالة الزائدة، وعن ضرورة تقليصها.. وعن غياب القدرة على المنافسة بسبب قلة الإمكانات وهذا هو الأهم، ومع ذلك تبدو المسألة بعيدة تماما عن كل المشاكل التي يعاني منها الاتحاد، فعندما يوافق رئيس الاتحاد على اتخاذ اللازم نحو الصرف طبقا للسوابق وحسب قرار وزيرة الإعلام السابقة، فنحن هنا أمام حالة تستحق التوقف أمامها طويلا.. هل نحن جادون في البحث عن حلول أم أننا نسير في ذات الطريق الذي أوصلنا إلى هذا الحال؟.. والله المستعان. 

m.elazizi@hotmail.com
الجريدة الرسمية