العُهر في الزمن الثوري!!
مشهد.. مجرد مشهد لطفلة تفترش الأرض، محتضنة شقيقتها التي توسدت فخذها، ونامت عليه.. ومن خلفهما كانت الكهارب، واللافتات الصارخة للمرشحين في الجولة الثانية لانتخابات مجلس النواب.. المشهد استفزني.. كان لا يحتاج إلى تعليق.. ولا إلى مقارنة بين ما يتم إهداره على «الفشخرة»، و«التظبيط» الشخصي، وبين ما يتم الإمساك عنه عندما يتعلق الإنفاق على مشروع قومي، أو حالات إنسانية!
أي عُهر وأي فُحش هذا؟.. «لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها: لِمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر».. كنا عظامًا لأن هذه كانت أخلاقنا، رحماء فيما بيننا.. الآن صِرنا أكثر إرهابًا ووحشية من «داعش» دون أن ندري.. موظفون يتقاضون أكثر من «400 ألف جنيه في الشهر»، وأكثر من 3 ملايين شخص يعيشون على معاش الضمان الاجتماعي الذي لا يزيد عن «400 جنيه في الشهر»!!
الأزمة ليست في الأصفار الثلاثة الزائدة بين الرقمين.. الأزمة أزمة حكومة.. أزمة مسئولين.. الرئيس وعد بالحد الأدنى والأقصى للأجور، وطبَّقه على نفسه والتزم به، في حين لم يتم تطبيق هذا الحد على فئات عديدة، دون أن يخرج علينا أحد ليقول لنا إن هؤلاء «على رأسهم ريشة»، وهم أقوى من أي سلطة، وأي مسئول حتى لو كان الرئيس!
الحكومة تظن أن الإرهاب فقط في سيناء، تعتقد أن المنتمين للجماعات الإرهابية هم وحدهم الإرهابيون.. سَوَّدَ الله وجوهكم.. أي وطن يسمح للذئاب الشرسة أن تنهش في أكباد الوطن؟!!.. أي حكومة تمنح صكوك الغفران لمن يكيدون للفقراء، ويسحقونهم تحت أقدامهم، ثم يخرجون لهم ألسنتهم؟!!.. أي عفنٍ، وأي خرابةٍ تلك التي تمنح اللصوص، ومصاصي الدماء الحرية الكاملة، بل تحميهم وهم ينعمون بما سرقوه من أموال الفقراء والمغلوبين على أمرهم؟؟!!
كم من الوجوه الكريهة التي طفت الآن على السطح، بعد أن اعتقدنا أننا أغرقناهم إلى الأبد؟.. كم من هؤلاء بدلوا جلودهم، وغيَّروا أيديولوجياتهم، وتخلوا عن أفكارهم وقناعاتهم، وارتدوا ثياب ثورتي يناير ويونيو، واعتنقوا الدين الجديد، فركعوا، وسجدوا، وزحفوا على بطونهم ليصلوا إلى كرسي البرلمان؛ طمعًا في «الحصانة»؛ لحماية مصالحهم؟!
مصدر قضائي أكد أن «حجم الإنفاق الدعائي لمرشحي المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، على النظامين الفردي والقوائم، بلغ 7 مليارات جنيه.. وأن حجم إنفاق مرشحي النظام الفردي بلغ 4 مليارات جنيه، مقابل 3 مليارات للقوائم الانتخابية».
يا الله.. أي سفه هذا؟.. بلد يعاني قلة الموارد.. بلد يعيش أكثر من نصفه تحت خط الفقر، يسمح بهذا البذخ والسفه، دون محاسبة، أو تطبيق لقانون «من أين لك هذا»؟!.. بلد يتسول المعونات، ويعيش على المنح والمساعدات الخارجية، وتسمح لمن نهبوا الأموال بأن يسحقوا القانون بأحذيتهم، ويُخرجوا ألسنتهم لكل الأجهزة الأمنية والرقابية والسيادية أيضًا، الذين لم نشهد لهم موقفًا حازمًا - إلى الآن - منهم؟!
مَنْ يصنع الإرهاب؟.. الحكومة أم داعش؟
أحد الصيادلة أكد اختفاء أكثر من «800 صنف دوائي»؛ بسبب أزمة الدولار وسياسات الحكومة الخاطئة..
كم من مريض يموت من أجل علبة دواء يقل ثمنها عن ورقة واحدة كتب عليها المرشح اسمه وإنجازاته، وهلاوسه التي يسميها «البرنامج الانتخابي»؟.. كم من أسرة تحتاج إلى «متر قماش» من المعلق على الأعمدة لتستر لحم أبنائها من نهش الشتاء؟.. كم من قرى تحتاج إلى «لمبة» من تلك التي يتفشخرون بها في مؤتمراتهم السخيفة؟.. كم من جائع يبحث عن «لقمة» من تلك التي يرميها المرشحون والمنتفعون منهم في صناديق الزبالة؟!
أي عُهرٍ هذا يا بلادي؟
يا أيها الوطن الجبان.. إني بريء منك..
يا أيها الوطن المُهان.. إني بريء منك..