رئيس التحرير
عصام كامل

لزومه أيه مجلس النواب ده؟!


أتصور مسبقا أن هناك موقفا أشبه بالموقف الذي سبق انتخابات المرحلة الأولى في الصعيد وغرب الدلتا، وأتصور أن الناس لا تزال، في قطاع كبير منهم، يعانون الحيرة في اختيار النائب الذي سوف يقذفون به إلى المقعد النيابي، يعبر عنهم ويشارك في التشريع والرقابة البرلمانية على الحكومة.

ولقد استطلعت، بصورة شبه مسحية، آراء كثيرين من الأهل ومن الأصدقاء، فوجدت نزوعا إلى تكرار سيناريو المرحلة الأولى، ولما استغربت ذلك في القاهرة ووجدت صدى له في الدقهلية وغيرها، وجدت أن السبب الرئيسي هو ذاته السبب الأول للعزوف في المرحلة الأولى، وهو أن المترشحين وجوه جديدة، وكومبارس في عالم السياسة والبرلمان، وتطوع مثقف بأن شد بصري إلى لوحات ولافتات تحمل صورا وأسماء لمترشحين في حي المعادي، وقال لي من هؤلاء؟، وما هي برامجهم وما تاريخهم؟، ولماذا أجهد نفسي وأبدد وقتي، وأسرتي، وأعطي صوتي لمجهول؟!

سألته: ألن تذهب؟!

قال: ولا حد من عندنا!

الحقيقة أنني انصدمت بشدة؛ لأن نكوص الناس عن منح الوجوه الجديدة فرصة التمثيل النيابي، يعني تكريس بقاء الوجوه المتكلسة من أزمنة انتخابية متعاقبة، فضلا عن أن ترك الساحة خاوية فارغة، هو كمن ترك باب فراشه مفتوحا على قارعة الطريق، ينام عليه كل عابر سبيل!

ومن الحق أن نقرر هنا أن الإعلام حاول ولا يزال يحاول، تلافي أخطاء الأداء المتردي في النصف الأول من المعركة الانتخابية الباردة.. كان الأداء في الغيبوبة، والآن تسارع النبض، وتتسابق المحطات إلى تقديم المترشحين المستقلين؛ ليتعرف عليهم الناس، وليقدموا أفكارهم وأحلامهم الوطنية، كما أن هناك استضافات كاملة لقوائم ومنسقيها، يتحدثون عن برامجهم ونواياهم، في الرقابة، وفي التشريع.

مع ذلك، لا يبدو أن الناس مستعدة للذهاب إلى صناديق الاقتراع، على الأقل الآن، وربما يحدث حادث يجعل من التسابق إلى أداء الواجب الانتخابي ظاهرة تتباهى بها الفضائيات والدولة.

لقد أسرفنا في التحليل حول انخفاض نسبة المشاركة في المرحلة الأولى، وكان أبرز سبب هو حيرة الناخب بسبب تحذير الإعلام للناس من أن البرلمان القادم هو برلمان ضد السيسي، وصلاحياته أكبر من صلاحيات الرئيس، ومن ثم فإن عزل الرئيس وارد بسهولة!!

بعدها ومع بدء الحملة الانتخابية فوجئ الجمهور بفيلم جديد، والرئيس يدعو ويرجو ويناشد الشعب النزول والمشاركة والإدلاء بالصوت الانتخابي وليس الصوت الحياني!.. وحسم الجمهور أمره واعتكف قطاع لا بأس به، وظهرت الدوائر خاوية.. هذه النقيصة الإعلامية غابت تماما في المرحلة الثانية، فليس هناك تحذير ثم ترغيب ومناشدة.. هناك فقط حث ودعوات ورجوات بضرورة النزول.. قناعة الناخبين بأنهم لا يعرفون المترشحين ستقوم مقام عنصر المنازعة الذي كبل أقدام الناس وكسحهم في بيوتهم في المرحلة الأولى.

بالطبع تضم القوائم نجوما محسوبين على الثلاثين من يونيو والخامس والعشرين من يناير، حققوا وجودهم وحفروا صورتهم الذهنية في وجدان الناس، من خلال مواجهاتهم للفصيلة الإرهابية التي سكنت الاتحادية، يتصدرها مرسي، يحركه الشاطر وبديع.

وأظن أن المشكلة تكمن بقوة في الفردي المستقل، فمعظمهم جديد لانج وصحيح فيهم شباب كثيرون وهو المطلوب والمنشود، لكن الناس تحتاج إلى سابقة ثقة وخبرة وظهور.

دور الإعلام هنا أن يعالج هده النقطة، بينما لا يزال هناك وقت، قبل الثاني والعشرين من نوفمبر، فالمهمة الكبرى التي لو نجح الإعلاميون فيها أنجحوا بالتالي العملية السياسية، هي إقناع الناس بالنزول والتصويت بنعم أولا، للوجوه كلها، وأن الجديدة منها ستصير قديمة بفعل الزمن والتكرار!

يبقى السؤال الموجع حقا، الذي يتردد على ألسنة مثقفين وهو: لزومة أيه مجلس النواب ده؟!
الجريدة الرسمية