رئيس التحرير
عصام كامل

النيل البديل.. الأمن المائي لمصر يبدأ من الكونغو.. ويستقر بالسودان.. ويمنع إسرائيل من الاستمرار في تهديد حدودنا الجنوبية

نهر النيل
نهر النيل

يطرح صعود الخط البياني للعلاقات بين مصر وامتدادها الإفريقي خلال الفترة القليلة الماضية خاصة مع تولي الرئيس مرسي مقاليد الرئاسة عدة تساؤلات، ربما يصب البعض منها في خانة حتمية تطوير تلك العلاقات وتنميتها بما يعود بالخير على الجميع، ويلغي فرضية العودة إلى مربع الأزمات التي كرستها إستراتيجية "تجاهل إفريقيا" في عهد النظام السابق.

ويمثل إقليم البحيرات العظمى الذي يضم كلًّا من: كينيا، ورواندا، وبوروندي، والكونغو، وأوغندا أهمية إستراتيجية بالنسبة لمصر وعديد من دول العالم نظرًا لكونه غني بالثروات الطبيعية، ما جعل مصر تعيد إنتاج نمط جديد من علاقات الإخاء مع تلك الدول بعد تراجع الدور المصري في إفريقيا عمومًا بالإضافة إلى إصابة العلاقات المصرية مع دول حوض النيل التي تعتبر الفناء الخلفي لها بالبرود.

وإذا كان نهر النيل هو محور الارتكاز الرئيسي في العلاقة بين مصر وتلك الدول الإفريقية فإن تطور العلاقات بين الجانبين يفرض إيجاد أفكار جديدة للتعامل مع هذا الرافد الأساسي للحياة في مصر لعل من بينها إعادة التفكير في أحد مشروعات الري التي ظهرت مطلع القرن الماضي وتحديدًا عام 1902؛ حيث طرحها "أباتا" كبير مهندسي الري المصريين في السودان، والذي اقترح شق قناة تصل نهر الكونغو بأحد روافد النيل بالسودان للاستفادة من المياه التي تهدر منه.

وتشير الدراسات إلى أن نهر الكونغو يلقي مايزيد على ألف مليار متر مكعب من المياه في المحيط الأطلنطي حتى أن المياه العذبة تمتد مسافة 30 كيلومترًا داخل المحيط، هذا بالإضافة إلى وجود شلالات قوية يمكن من خلالها توليد طاقة كهربائية تكفي القارة الإفريقية كلها.

ويعتبر نهر الكونغو الذي كان يطلق عليه سابقا "نهر زائير" ثاني أكبر أنهار إفريقيا، وخامس أنهار العالم من حيث الطول، حيث ينساب لمسافة تصل إلى نحو 4600 كيلو متر مربع عبر وسط غربي إفريقيا.

ورغم أن نهر الكونغو من أغزر الأنهار في العالم إلا أن النهر ليس له دلتا، أما مياه النهر المحملة بالطمي فهي في خندق عميق وتمتد داخل المحيط الأطلسي دون أن يتم استغلالها، حيث يصل إيراده المائي إلى 1350 مليار متر مكعب / سنة، أي 16 مرة مثل إيراد نهر النيل، الذي لا يتعدى 84 مليار متر مكعب / سنة محسوبًا عند أسوان.

فيما يتميز نهر الكونغو بثبات إيراده طوال العام؛ حيث إن نصف روافده تقريبًا تقع في النصف الجنوبي من خط الاستواء وباقي الروافد شمال الخط، وحيث تختلف فصول العام شمال خط الاستواء عن جنوبه، وبالتالي تختلف فصول الأمطار، ويجعل ذلك روافده التي تقع في فصول الجفاف لا تغذي النهر بالمياه، على عكس ذلك الروافد التي تقع على الناحية الأخرى من خط الاستواء فإن مياهها تسيل مغذية هذا النهر العظيم بالمياه والعكس صحيح.

وتؤكد الدراسات أن هذه خاصية عظيمة للنهر، حيث إنه لا حاجة إلى أي "تخزين قرني"، ولكن الأمر لا يتعدى تخزينًا سنويًا فقط "إذا استدعت الحاجة لذلك".

 

فيما تندفع مياه نهر الكونغو بسرعة عظيمة جدًا حيث إن انحداراته وشلالاته تصل في مجموعها إلى قوة شلالات قارة أمريكا الشمالية مجتمعة، ويتسبب هذا الاندفاع الرهيب لمياهه في هروب السكان بعيدًا عن المجرى وعدم الإقامة قريبًا منه، وهو ما يجعله يصب مياهه في المحيط الأطلنطي بسلام دون أدنى استفادة منه.

وفي هذا الشأن، يقول خبير المياه الدولي، الدكتور أحمد عبد الخالق الشناوي، في دراسة خاصة: "إن استقطاع جزء من مياه النهر ودفعها إلى خارج الكونغو لن تقابل بأي اعتراض، خاصة لو تم إهداء أهالي البلاد بمشروعات تنموية، وفي مقدمتها مشروعات استغلال قوة اندفاع مياه هذا النهر ومساقطه المائية في توليد الكهرباء".

وتقدم الدراسة مقترحًا لخط سير نهر بديل يمثل خيارًا إستراتيجيًّا لمصر بمشاركة كل من السودان والكونغو؛ حيث يبدأ هذا النهر الجديد من "الكونغو كينشاسا" عند بلدة "بومبا" ليمتد بطول 300 كم تقريبًا إلى بلدة "بنجاسون" على الحدود الشمالية للكونغو مع جمهورية إفريقيا الوسطى، ثم يمتد مسافة 600 كم تقريبًا ليصل إلى الحدود السودانية الغربية ثم يعبرها ويتجه مباشرة باتجاه الشمال الشرقي بطول 3000 كم ليصل للحدود الجنوبية لمصر.

ووفقًا للدراسة فإن طول هذا النهر من منبعه من نهر الكونغو حتى الحدود الجنوبية لمصر تقدر بحوالى 3900 كم، يضاف إليها 10% طولًا إضافيًا قد نحتاج إليه عند اختيار مسار للنهر يضمن الميول التصميمية المناسبة، وهو ما يعني حساب تكلفة إنشاء النهر على أساس أن إجمالي طوله يساوي 4290 كم.

وتوضح الدراسة أنه يجب عند تصميم النهر الجديد مراعاة أن يكون نهرًا ملاحيًا، وذلك بأن لا يقل عمقه عن 4 أمتار، بالإضافة إلى تبطين جوانبه إما بالدبش أو بلاطات الخراسانة العادية أيهما متوفر وأرخص.

وحول التصرف التصميمي للنهر الجديد فأنه إذا اعتبرنا أن إيراد النهر يساوي المتوسط السنوي لإيراد نهر النيل فإن إيراد هذا النهر المراد شقه محسوبًا عند أسوان سيكون 74 مليار متر مكعب / سنة.

ويقول الدكتور الشناوى - وهو أول مصري يحصل على دكتوراه في علم الهيدرولوجي والمياه - في دراسته المهمة إنه على الرغم من أن هذا النهر الجديد ستكون جوانبه مبطنة ما يقلل من تسرب مياهه، إلا أنه بنفس طريقة حساب فواقد نهر النيل فإنه يحسب 5% فواقد تسرب المياه على طول مسار النهر ليصير التصرف التصميمي لقطاع هذا النهر هو تقريبًا 77.7 مليار متر مكعب بالسنة، نصيب مصر منها هو 5ر55 مليار متر مكعب، إضافة إلى 5ر18 مليار متر مكعب للسودان، و7ر3 مليار فواقد على طول النهر.

ووفقًا للدراسة فإن إجمالي التكاليف الاستثمارية للمشروع تبلغ 300 مليار و809 ملايين جنيه، تشمل كل بنود إنشاء هذا المشروع لكي يقوم بضخ كمية 7ر77 مليار متر مكعب من نهر الكونغو، وهي حصة مصر والسودان.

كما تشمل أيضًا التكاليف المطلوبة لتنمية حصة مصر من الايراد المائي، وذلك باستصلاح واستزراع مساحة 10 ملايين فدان في الأراضي المصرية، وكما هو وارد في اتفاقية مياه النيل بين مصر والسودان في عام 1959، والخاصة باستغلال مياه النيل والتي تفيد بأن مصر تقوم بتغطية تكاليف إنشاء مشروعات زيادة إيراد نهر النيل، على أن تقوم مصر باستغلال حصة السودان لحين أن تقوم السودان بسداد حصتها في تكاليف المشروع.

وتقترح الدراسة حلًا لهذا الموضوع، وهو أنه بدلًا من أن تقوم السودان بسداد قيمة حصتها في المشروع، فإن مصر تقوم بتنمية حصة السودان داخل الأراضي السودانية نفسها لمدة لا تقل عن 75 عامًا.

وتشمل حصة السودان في هذا المشروع 5ر18 مليار متر مكعب في السنة، وهي تكفي لاستصلاح 7ر3 مليون فدان داخل الأراضي السودانية، وتبلغ تكلفة استصلاح واستزراع هذه المساحة 4ر44 مليار جنيه، بإضافة مصاريف غير منظورة تساوي 10 فى المائة، وتبلغ إجمالي التكلفة 84ر48 مليار جنيه.

وتؤكد الدراسة أنه في حالة الأخذ بهذا الحل فإن إجمالي التكاليف الاستثمارية للمشروع تبلغ 730ر349 مليار جنيه، فيما يبلغ إجمالي الأراضي المستصلحة 7ر13مليون فدان، وهي تتيح حوالي ثلاثة ملايين فرصة عمل، منها حوالي 740ر2 مليون فرصة عمل زراعية والباقي فرص عمل غير زراعية مساعدة مثل عمال الصيانة والأعمال الخدمية والإدارية والصناعات الزراعية، بالإضافة للعمال الفنيين.

 

وتشير الدراسة إلى أن وجود حوالي 740 ألف مصري وهم العمال وعائلاتهم داخل السودان سوف يسهم في توطيد العلاقات بين مصر والسودان وتوثيقها فيما يوفر المشروع إجمالي أرباح سنوية تبلغ حوالي 115 مليار جنيه سنويًا تمثل قيمة مضافة للناتج القومي المصري وهو ما يدعم موارد الدخل.

ويقترح الدكتور الشناوي في دراسته أن يتم تمويل هذا المشروع العملاق من خلال شركة مساهمة يتم إنشاؤها خصيصًا لهذا الغرض على غرار الشركة التي تم إنشاؤها لبناء السد العالي، وهذه الشركة إما أن تكون مصرية خالصة أو بمشاركة عربية أو أجنبية.

وتقوم تلك الشركة بتنفيذ المشروع بنظام (بي أو تي)، وهو ما يعني أن تستغل المشروع لفترة زمنية يجري الاتفاق عليها، ثم يتم تسليم المشروع إلى الدولة المصرية بعد إنتهاء فترة التعاقد على أن تستخدم هذه الشركة عمالة مصرية بنسبة لا تقل عن 90 في المائة وتقوم بتسديد حوالي 20 في المائة من الأرباح للحكومة المصرية.

وليس ثمة شك في أن هذه الفكرة صالحة فنيًا للتطبيق حتى في ظل وجود بحيرة ناصر، فيما يمكن معالجة ما يمكن أن ينشأ من عقبات حقيقية تقف دون تنفيذها منها أن تعترض الكونغو على المشروع، وهو ما يلقي الكرة في ملعب الحكومة المصرية بشأن توضيح حجم المكاسب السياسية والاقتصادية والتنموية للبلد الشقيق.

وإذا كانت تلك الدراسة الاستراتيجية تقدم حلولًا فنية ناجعة لمشروع النهر البديل، إلا أن العوائق السياسية يمكن تذليلها، وهو ما يحتاج إلي إرادة سياسية حقيقية وبناء قاعدة علاقات قوية بين الكونغو وكل من مصر والسودان ، خصوصًا في ظل القيادة الجديدة لمصر التي يجب أن تؤسس لعلاقات أصيلة تحد من نفوذ إسرائيل التي تسيطر على سوق الماس في الكونغو.

الجريدة الرسمية