رئيس التحرير
عصام كامل

معركة مصر مع الاقتصاد الريعى ورجال الأعمال!


تخوض مصر الآن عدة معارك على المستويين الخارجى والداخلى، وفيما يتعلق بالمعركة على المستوى الخارجى فهى معروفة ومعلومة جيدا، فهناك قوى دولية تسعى بكل قوة إلى تقويض دور مصر كمقدمة لعزلها عن محيطها الإقليمى والدولى، حتى يسهل لها تنفيذ مشروعها التقسيمى والتفتيتى للمنطقة بأكملها، ومصر هي الجائزة الكبرى كما يقولون، وقد بدأت هذه المؤامرة منذ زمن بعيد، حين تمكنت مصر بقيادة زعيمها وقائدها جمال عبد الناصر من فرض نفسها وبقوة على الساحتين الإقليمية والدولية، حيث قادت حركات التحرر الوطنى من الاستعمار القديم، وشاركت في تأسيس حركة عدم الانحياز، وقامت ببناء مجتمعها من الداخل من خلال مشروع تنموى حقيقي على مستوى الزراعة والصناعة والبنية الأساسية، مع تمكين المواطن من حقوقه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية..


وهو ما انعكس على الخريطة الاجتماعية والطبقية، حيث نمت الطبقة الوسطى على حساب الطبقات الفقيرة والكادحة، ورأت القوى الامبريالية الجديدة المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية أن هذا الدور يضر بمصالحها الاستعمارية، ويهدد حليفتها الصهيونية، خاصة وأن مصر بقيادتها في ذلك الوقت كانت تسعى وبقوة لتحقيق حلم الوحدة العربية، وبالتالى أخذت على عاتقها ضرورة تحرير التراب العربي الفلسطينى المحتل والمغتصب من العدو الصهيونى، وهنا كانت بداية التآمر على مصر ومشروعها الوطنى والقومى، وبالفعل كانت نكسة 1967 هي الضربة القاصمة التي قام بها الغرب الاستعمارى لتقويض دعائم الدور المصرى.

ومات الزعيم الحلم، وخلفه أنور السادات الذي قرر منذ اليوم الأول التسليم للعدو الأمريكى الصهيونى، حين أعلن بدون حياء أن 99% من أوراق اللعبة في يد الأمريكان، لذلك وافق على أن تتحول حرب أكتوبر 1973 من حرب تحرير إلى حرب تحريك فقط، يعقبها الدخول في مفاوضات مع العدو الصهيونى، تثمر عن اتفاقية كامب ديفيد، تفصل مصر وتعزلها عن محيطها الإقليمى والدولى، ولم ينس وهو يقوض دعائم المشروع القومى أن يقوض معه دعائم المشروع التنموى الوطنى، حيث أعلن عن سياسة الانفتاح الاقتصادى التي حولت مصر من دولة منتجة لدولة مستهلكة بامتياز..

وبدأ الاقتصاد الريعى في الظهور ومعه ظهرت القطط السمان التي أطلق عليها مسمى رجال الأعمال، ومات السادات برصاص القوى الإرهابية التي تحالف معها في بداية حكمه، وأطلق سراحها من السجون من أجل مواجهة القوى الوطنية المعارضة لتوجهاته وسياساته التابعة للأمريكان والصهاينة، ودخلت مصر بذلك دوامة كبيرة ظلت تدور في فلكها لما يزيد على ثلاثة عقود كاملة.

حيث جاء مبارك ليعلن منذ اليوم الأول أنه سيستكمل مشوار السادات، وخلال سنوات حكمه الطويلة استمرت المؤامرة الخارجية على مصر، حيث تم تصفية دور مصر على المستويين الإقليمى والدولى، وأصبح القرار المصرى مرهونا بالتبعية الكاملة للإرادة الأمريكية، فصناعة القرار المصرى كانت تتم في واشنطن وتل أبيب.

ولم يكتف مبارك بالتسليم على المستوى الخارجى، بل قام بالتسليم أيضا على المستوى الداخلى، حيث استمرت مؤامرة تصفية المشروع التنموى الوطنى، حيث تم تخريب الزراعة والصناعة وبيع القطاع العام المملوك للشعب على غير إرادته، لصالح تنامى المشروعات الاستهلاكية والترفيه، وأصبح الاقتصاد الوطنى يعتمد بشكل أساسي على الريع القادم من الضرائب وقناة السويس وعائدات المصريين العاملين بالخارج والاتجار في الأراضى والعقارات، وتضخمت مع الاقتصاد الريعى ثروات القطط السمان وتحولت إلى أفيال وديناصورات ظلوا متمسكين بلقب رجال الأعمال.

ومع مرور الوقت لم يكتف رجال الأعمال بالثروة المسروقة والمنهوبة من قوت الشعب، بل طمعوا في السلطة أيضا وحدث زواج غير شرعى بين الثروة والسلطة من قبل رجال أعمال مبارك، في ظل تدهور وتراجع وتدنى المستوى المعيشي للغالبية العظمى من المصريين، فكان قرارهم دخول المعركة معهم في 25 يناير 2011.

واستمرت المعركة لما يقرب من خمس سنوات، ومازالت مستمرة؛ فالعدو الأمريكى الصهيونى يستخدم أعوانه الإرهابيين بالداخل لشن معركة ضارية على مصر العائدة لاسترداد عافيتها على المستويين الإقليمى والدولى، بفضل التحركات المكوكية لرئيسها الجديد عبد الفتاح السيسي، لكن على الرغم من النجاح على المستوى الخارجى، فإن المعركة على المستوى الداخلى لم تبدأ بعد، لأنها وليس كما يتوهم البعض مع القوى الإرهابية فقط، لكن المعركة الأهم التي يجب أن يبدأ فيها فورا الرئيس عبد الفتاح السيسي ومعه الشعب المصرى هي معركة القضاء على الاقتصاد الريعى الضعيف والهش، والبدء في بناء مشروع تنموى حقيقي تكون أركانه هي الزراعة والصناعة الثقيلة والخفيفة والتحويلية.

الاقتصاد المنتج هو الضمانة الوحيدة لإجهاض المؤامرة الخارجية، وبالطبع لا يمكن فصل معركتنا مع الاقتصاد الريعى عن رجال الأعمال أدوات هذا المشروع التدميرى للمجتمع المصرى، وأعتقد أنه بمقدورنا الانتصار في هذه المعركة بالقانون فكل هؤلاء السارقين والناهبين لثروات الوطن لدى الدولة وأجهزتها السيادية أدلة لإدانتهم، فقط المسألة تحتاج لإرادة سياسية وشجاعة من الرئيس وسيجد الشعب المصرى خلفه يدعمه في هذه المعركة الحاسمة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

الجريدة الرسمية