رئيس التحرير
عصام كامل

دروس الغرق!


العاصفة الممطرة التي أغرقت مدينة الإسكندرية واقعة زاخرة بالدروس.. وأهم هذه الدروس هو غياب أجهزة الإنذار المبكر التي تحذر في الوقت المناسب من الأنواء والعواصف، ليس في مجال أحداث الطبيعة فقط، لكن في مجال السياسة والاقتصاد والاجتماع أيضا!


أجهزة الإنذار المبكر تعرفها كل البلاد المتقدمة، ولكننا نفتقر إليها بشكل حديث وعصري، بالرغم من أنه لدينا "هيئة الأرصاد الجوية"، التي تقوم بعملها في ضوء الإمكانيات المتواضعة المتوافرة لديها.

ولو كان لدينا أجهزة إنذار تتسم بالكفاءة، لأدى ذلك إلى الوضع المسبق للتدابير التي يمكن لهيئات الحكم المحلي اتخاذها لتلافي آثارها، أو على الأقل للتقليل ما أمكن من الخسائر.

ومن الغريب أنه بالنسبة للمقيمين في الإسكندرية، أنهم يعرفون جيدا التواريخ الدقيقة للنوات (جمع نوّة) التي تحدث في الإسكندرية.. والسؤال والحال هكذا كيف لم تستطع أجهزة الحكم المحلي أن تستعد للعاصفة؟

غير أنه بعيدا عن الرصد الدقيق المسبق، فلا بد أن نعترف بأن هناك تقصيرا شديدا في مجال إنشاء شبكات لصرف المياه، قادرة على التعامل مع العواصف الممطرة.. ويلفت النظر حقا تصريح محافظ الإسكندرية، الذي تمت إقالته حين قال إن هناك مشروعا معدا لإنشاء هذه الشبكات يتكلف 75 مليون دولار، لكن لو بدأ العمل فيه الآن فإن آثاره لن تظهر إلا في الشتاء المقبل!

ما مدى صحة هذه المعلومات؟.. وهل المسألة هي معرفة هيئات الحكم المحلي بالمشكلة وإعدادها لمشروع متكامل من شبكات صرف المياه أم هي في عدم توافر الميزانية اللازمة؟

غير أن المشكلة الحقيقية تتجاوز غرق الإسكندرية في مياه الأمطار.. وذلك لغياب رؤية أجهزة الحكومة في موضوع أهمية إنشاء "مراصد" متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية.. لو كان هناك "مرصد سياسي" يعتمد على الأساليب العلمية في استطلاع الرأي العام، لعرفت الحكومة مسبقا احتمالات ضعف إقبال الناخبين على انتخابات مجلس النواب.

والمعرفة المسبقة بذلك كان من شأنها اتخاذ إجراءات وتصميم برامج؛ لحث الناخبين على القيام بواجبهم والإقبال على الانتخابات.

ولو كان هناك "مرصد اقتصادي"، لأمكن ملاحقة التغيرات المختلفة التي يمكن أن تصيب العملات واتخاذ سياسات اقتصادية مناسبة.

ولو كان هناك "مرصد اجتماعي"، لأمكن التنبؤ بتراكم السخط الشعبي من سياسات حكومية خاطئة، ما قد يؤدي إلى مظاهرات فوضوية أو اعتصامات عشوائية.

بعبارة موجزة، لا بد من نشر تقليد إنشاء المراصد المختلفة؛ حتى تقوم بدورها في مجال الإنذار المبكر بالعواصف الطبيعية وبالأزمات السياسية والكوارث الاجتماعية في الوقت المناسب!
الجريدة الرسمية