رئيس التحرير
عصام كامل

إذ اكتشفتُ مُبَكرًا أن الضيف خبير «إستراطيجي»!


كانت الصدمة أقوى من أن تحتمل، عندما طالعت تقريرًا صحفيًا منشورًا على مواقع إلكترونية بالأسماء والمعلومات والتواريخ.. التقرير يؤكد أن ثلاثة من الضيوف الدائمين على برامج التوك شو بالفضائيات المصرية، دأب المذيعون على وصفهم بالخبراء الإستراتيجيين كل في مجاله، بينما هم خبراء على قوائم النصب والتزوير..الأول الخبير المالي والاقتصادي "ص.خ".. والثاني"م.ح" يشغل عدة مناصب بالأمم المتحدة..والثالث أمريكي يدعى "موريس بون أميجو" ظهر في أكثر من فضائية مصرية على أنه المستشار السياسي لحزب المحافظين الأمريكي، وقد ظهر مرة على أنه خبير إستراتيجي.. ومرة محلل سياسي.. ومرة صحفي مساهم في حملة المرشح الرئاسي السابق ميت رومني.. ثم اتضح في نهاية الأمر أنه "مزَيِّن"!


وبقدر ما أصابتني الصدمة.. بقدر ما كدت أرقص فرحًا، وحمدتُ الله أن حدسي قد صادف صدقًا، إذ "هَرَشْتُ" أمثال هؤلاء النصابين الإستراتيجيين منذ الوهلة الأولى لظهورهم المفاجئ على وجه الحياة السياسية بمصر.. كنت أدرك أن مستوى "الهجص" في آرائهم بلغ معدلات غير مسبوقة، فتصيبني الدهشة، التي تحولت بمرور الوقت إلى تسلية وسخرية.. فكتبت منذ وقت مبكر تلك الواقعة التي نحتت تجسيدًا حقيقيًا لهؤلاء الإستراتيجيين الذين ابتلينا بهم.

قلت: "راقبت في المقهى رجلًا يضع ساقًا فوق ساق ويتحدث بصوت عال في السياسة والبرلمان والدستور والخطط الأمنية والعسكرية، وإذا بصبى يتسلل من خلفه ويلسعه كفًا مدَوِّية على قفاه ويفر هاربًا.. العجيب أن الرجل استمر في حديثه وكأن القفا ليس قفاه.. سألت الجرسون عن صاحب القفا.. فهمس في أذنى: ده بيطلع في التليفزيون، فسألته بدوري هامسًا: يعنى بيشتغل إيه؟.. قال لى: "خبير إستراتيجي!".

استعرضت المواقع والمناصب التي شغلها المذكورون أعلاه، واكتشفت أن اثنين منهم، وهما "م.ح" شغل خمسة مناصب بالأمم المتحدة بينما حكم عليه بالسجن خمس سنوات بدولة عربية بتهمة النصب، فضلًا عن اتهامه بتزوير نحو11 رسالة دكتوراه.. والثاني الحلاق الأمريكي "موريس بون أميجو" الذي وصفوه على فضائياتنا بالخبير الإستراتيجي.. فاستَحْضَرْتُ مذيعي التوك شو عندما يقدمون الضيف المتكرر من أهل النخبة على أنه خبير إستراتيجي، ومحلل سياسي، وعريق في شئون الجماعات، وفقيه دستورى، ومحلل أمني!.. أضحك من هذا الاستخفاف وأتذكر مونولوجًا مصريًا قديمًا، يتماهى مع الحالات التي أتحدث عنها.. يقول مطلع المونولوج "بتصَرُّف": فراش وساعى وبوسطجى/ وأكبر مِعَلِّم كُفْتَجى/ وكمان مُغَنِّى وسمكرى/ واجْدَع مُحَلِّل عسكري/ وافْهَم في سَلْق الجمبرى!

في هذا المقام المسخرة.. لا بأس من ذِكْر حكاية الحاج أبو سويلم المرشح الفلاح الذي وصفوه في حملته الانتخابية بأنه خير ممثل للشعب، وهو الخبير العليم ببواطن السياسة والزراعة والاقتصاد.. كان المطبلاتية القرعجية يتحدثون عنه في المؤتمرات بينما يظل هو صامتًا كما لوكان الكرسي الذي يجلس عليه.. نجح الحاج أبو سويلم.. وفي أول جلسة للبرلمان.. جاءت جلسته بجوار نائب أفندى فئات، وكان قد سمع عن خبرات الحاج الإستراتيجية كما روج لها القرعجية.. بعد الجلسة وفي البهو الفرعوني.. وقفا معًا.. قام الأفندى عزم على أبو سويلم بسيجارة مارلبورو أحمر فأخذها وأشعلها، وبعد أن شد نفسًا منها، سأله الأفندى: إيه رأيك في الديمقراطية يا حاج؟.. قال له أحسن من الكليوباترا.

إلى الزملاء مقدمي برامج التوك شو.. الرجاء توخي الدقة والأمانة في اختيار الضيوف.. فما زلت أخشى استضافة "سباك" وتقديمه باعتباره أحد خبراء "حوض" النيل!.. اللهم لا نسألك غلق الفضائيات لكن نسألك الصدق فيها.
الجريدة الرسمية