عيون وآذان («حتى إشعار آخر»)
حتى إشعار آخر، الولايات المتحدة شريكة فى كل جريمة ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين، شريكة فى قتل كل طفل فلسطينى وامرأة ورجل، شريكة فى بناء كل مستوطنة على أراضى الفلسطينيين، وإسرائيل كلها مستوطنة، شريكة فى تمكين إسرائيل من ارتكاب الجريمة التالية.
قلت «حتى إشعار آخر» لأننى لم أفقد الأمل بعد بأن ينتهج باراك أوباما فى ولايته الثانية سياسة تخدم مصالح أميركا لا إسرائيل، ولعل ما سمعنا عن اختياره جون كيرى وتشك هاغل للخارجية والدفاع، مؤشرًا على هذا الاتجاه، فهما لا يُعتبران من «أصدقاء» إسرائيل، أى عملاؤها. وهكذا، ننتظر التغيير ونرجو أن نراه.
فى غضون ذلك، الولايات المتحدة عوضت إسرائيل عن الذخيرة التى استهلكتها فى الهجوم على قطاع غزة الشهر الماضى، الذى أدى إلى قتل 180 فلسطينيًا غالبيتهم من المدنيين، وجرح ألف آخرين، مقابل ستة قتلى إسرائيليين، مع تدمير 120 مبنى تدميرًا كاملًا وتخريب ثمانية آلاف مبنى آخر.
صحيفة «هاآرتز» قالت: إن الولايات المتحدة ستبيع إسرائيل ذخيرة ثمنها 647 مليون دولار للتعويض عما استهلكت فى قصف قطاع غزة فى عملية الشهر الماضى، والذخيرة تشمل 6900 قنبلة دقيقة التوجيه، وعشرة آلاف قنبلة أخرى من مختلف الأنواع، و3450 قنبلة وزن الواحدة منها طن أو أكثر، و1725 قنبلة يزن كل منها 250 كيلوجرامًا، و1725 قنبلة من نوع «ب ل يو-109» المخصصة لتدمير التحصينات، و3450 قنبلة من نوع «ج ب يو-39» المخصصة أيضًا لتدمير التحصينات. ونعرف أن مبيعات السلاح إلى إسرائيل تتحول دائمًا بما يشبه السحر إلى هبات.
إذا كان الدعم العسكرى لمجرمى الحرب الإسرائيليين قتلة الأطفال لا يكفى، فإن الدعم السياسى سارٍ بموازاته، وفى الأمم المتحدة يوم الأربعاء 19 الجارى، عارضت الولايات المتحدة وحدها من بين دول العالم، صدورَ مشروع قرار مُلزِم يأمر إسرائيل بعدم بناء مستوطنات فى أراضى الفلسطينيين، فكان أن دان مجلس الأمن بغالبية 14 دولة البناء فى القدس الشرقية. وأسجل أن وزارة الخارجية الأميركية أصدرت بيانًا يدين البناء فى أراضى الفلسطينيين، إلا أنه كان مجرد كلام يشجع إسرائيل على الاستمرار فى البناء.
وهكذا، فنحن أمام مشروع إسرائيلى لبناء 1500 وحدة سكنية فى القدس الشرقية تكاد تفصلها عن الضفة، و2612 وحدة سكنية فى مستوطنة غيفات هاماتوس، لتكون أول ضاحية جديدة للقدس منذ 1996، أى عندما أصبح مجرم الحرب بنيامين نتانياهو رئيسًا للوزراء أول مرة ودمر عملية السلام عمدًا قبل أن يخسر انتخابات 1999.
هناك الآن 550 ألف مستوطن فى الضفة الغربية، وسكانها الفلسطينيون تحت حصار يومى لإرغامهم على الهجرة، ثم تطلب إسرائيل مفاوضات من دون شروط، وتؤيدها الولايات المتحدة.
على ماذا يفاوض الفلسطينيون؟ على انتفاضة ثالثة؟ فلسطين من البحر إلى النهر، وإسرائيل خرافة توراتية لا آثار لها على الإطلاق تدعم وجودها فى بلادنا قبل ثلاثة آلاف سنة. كان هناك يهود، ولكن لا ممالك أو أى ملوك مزعومين، وإنما خرافة لسرقة بلاد من أهلها.
إسرائيل دولة عنصرية نازية جديدة، والولايات المتحدة تؤيد جرائمها عسكريًا وسياسيًا، لذلك سمع نتانياهو انتقاد وزارة الخارجية الأميركية بناء المستوطنات، فعلق عليه بالقول: إن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وإن الإسرائيليين سيواصلون البناء فيها، أى سرقتها من أهلها، لأنهم يؤمنون بأنها يجب أن تبقى موحدة.
القدس لم تكن يومًا عاصمة إسرائيل، وهذه كدولة لم توجد فى أى تاريخ أو جغرافيا، والدين اليهودى خرافة ولا آثار على الأرض إطلاقًا تؤيد الخرافة الدينية. والنتيجة جريمة مستمرة ضد أصحاب البلاد الوحيدين تُرتكب كل يوم منذ 64 سنة بمساعدة الولايات المتحدة.
وأقول «حتى إشعار آخر» تفاؤلًا، ومن دون أسباب منطقية تشجع على التفاؤل.