رئيس التحرير
عصام كامل

كيف يقيّم كاتب التاريخ رئيس الدولة؟ (1-2)


إشكالية غضب الرئيس من إعلامي انتقده، دفعتنى إلى قراءة أكثر عمقًا في تقييم الروساء، وإلى البحث عن مدخل آخر غير المدخل الإعلامي. لذلك لن أتحدث في هذا المقال عن العلاقة بين الرئيس والإعلام، لأن خطاب الرئيس منذ ثلاثة أيام يعكس اختلاف في الرؤى حول دور الإعلام في الدول الديمقراطية، أو الدول التي تسعى إلى أن تكون ديمقراطية، وبين الإعلام الذي يراه الرئيس مثاليًا، أو الإعلام الذي يريده.


وطالما أن الرئيس يشعر بظلم الإعلاميين، وحذرهم من أنه سيشتكيهم للشعب، قررت أن أبحث مدخل زمني لتقييم الرؤساء، على أن هذا المدخل يضع القواعد المجردة لأنه يقيم رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى القارئ أن يقيس أو لايقيس قواعد هذا المدخل على الرئيس عبد الفتاح السيسي.

البحث الدقيق قادني إلى محاضرة القاها المؤرخ الأمريكي ريتشار نورتون سميث، وهو متخصص في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية. المحاضرة التي كانت بعنوان" 10 طرق لتقييم الرئيس"، جاءت ضمن "مؤتمر القيادة" الذي استضافته كلية وارتون، بجامعة بنسلفانيا في عام 2009، والتي نشرتها على شبكة وارتون للمعرفة. ويرصد مؤرخ رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية - ريتشارد سميث-عشر قواعد لتقييم الرئيس، وهو يستخدم مدخل تاريخي لتحييد العوامل المرتبط بتغيير قيّم المجتمع.

القاعدة الأولى التي استند عليها المؤرخ، أن التاريخ يكافئ الرؤساء الذين يقبلون التحدي، أو الذين لا يهابون المخاطرة:
واستند في ذلك إلى ما قام به الرئيس توماس جيفرسون من شراء "أرض لويزيانا" عام 1803 من فرنسا التي كانت تسيطر عليها، والتي تضم حاليا 15 ولاية أمريكية، ومقاطعتين كنديتين. وما قام به الرئيس هاري ترومان من "وقف اعتداءات الشيوعيين في كوريا"، والرئيس ريتشارد نيكسون الذي دخل في حوار مع الصين.

أما القاعدة التاريخية الثانية فتؤكد أن الرئيس الذي يسعى في حملته أو حكمه لأن يجعل لنفسه بصمة تاريخية يشترك في الهزيمة النفسية لنفسه:
وضرب المؤرخ ريتشار سميث أمثلة من الرؤساء الذين قدموا وعودا ولم يستطيعوا تنفيذها، ومنهم الرئيس وارن هاردنيج الذي تمنى أن يكون أكثر الرؤساء المحبوبين ووعد بالتخلص من البيروقراطية، ولكنه لم يستطع أن يتخلص منها ولا أن ينقذ إداراته من فضيحة رشوة "تي بوت دوم" " أو قبة أبريق الشاي" بين عامي 1921-1922 والتي تورط فيها أحد مساعديه من خلال منح شركات بترولية خاصة عقود امتلاك مخصصات بترولية للبحرية الأمريكية بالأمر المباشر. أشار المؤرخ سميث إلى الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الذي قدم وعود تاريخية وانتهي بسجل حربي يعرفه الجميع وأزمة اقتصادية طاحنة.

القاعدة التاريخية الثالثة تقول أنه: لا توجد نظرية واحدة للنجاح الرئاسي:
يقول المؤرخ الرئاسي ريتشارد سميث أن هذه القاعدة كانت وراء نجاح تدي روزفلت، والمبدأ الذي تبناه في الإدارة من خلال اتخاذ أي قرارات يرغبها طالما أنها لاتخالف الدستور، وقد قدم تدي روزفلت من خلال مبدأ أخلاقي لحماية دافعي الضرائب الذين لا يسعون لزيادة سلطات الحكومة.

ترتبط القاعدة التاريخية الرابعة بالمكون المجتمعي ولكنها لا ترتبط بالقيم الاجتماعية:
وتقول القاعدة أن الرؤساء يجب أن يتم تقييمهم أو فهمهم وفق السياق المجتمعي الذي يعملون فيه، والأعراف، ومحدودية فترة الحكم. يقول مؤرخ الرؤساء الأمريكين، أن الرئيس أندرو جاكسون فقد مكانته وبريقه لأنه لم يدرك أن الملايين من الأمريكين الافارقة، والسكان الأصليين لأمريكا، والمرأة كانوا مهمشين.

القاعدة التاريخية الخامسة تحذر من المساس بالدستور:
وتقول أنه إذا حكم الرؤساء بأي قانون يتجاوز الدستور، فهو قانون العواقب غير المتوقعة. أشار المؤرخ الرئاسي ريتشارد سميث الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون حاول أن يتجاوز الدستور، وبرغم أنه أراد أن يكون رب "الحرية الجديدة"، لكن رؤيته المثالية فشلت أمام التشريعات الحكومية والإنفاق الذي تجاوز الدستور، وتطلبته الحرب العالمية الأولى. وعانى في فترة رئاسته الثانية من الانتهاكات العنصرية والعرقية التي اضطر معها لإعادة ترتيب أولوياته".

في الأسبوع القادم استكمل معكم تقييم المؤرخ الرئاسي ريتشارد نورتون سميث لرؤساء الولايات المتحدة الأمريكية والذي يتحدث فيه عن جوانب ترتبط بشكل مباشر بالقدرات الشخصية للرؤساء الأمريكيين.
الجريدة الرسمية