رئيس التحرير
عصام كامل

إلغاء «بدل الصحفيين»!!


«إن البدل الذي يحصل عليه الصحفيون حرام شرعًا، وليس من حقهم، وأتحدى من يثبت لي مشروعية أو أحقية الصحفيين في الحصول على هذا المبلغ كل شهر».. ما سبق ليس فتوى صادرة عن لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، لكنها تصريحات منسوبة إلى جمال عبد الرحيم، سكرتير عام نقابة الصحفيين.


حسنًا.. أنا أؤيد ما ذهب إليه الزميل العزيز، بل كنتُ من أشد المؤيدين والمروجين لهذا الرأي، قبل انضمامي للنقابة، ولكني الآن «عاتب» على السكرتير العام لـ«الصحفيين» لعدة أمور:-

أولًا: «عبد الرحيم» - مع حفظ الألقاب والمقامات - قال: «البدل أفسد مهنة الصحافة، وجعل أشخاصا ينتمون إليها دون أن يكون لهم أي علاقة بالمهنة، والبعض منهم تنازل عن كرامته واستهان بأمور لا يقبل بها أي صحفي محترم يمكن أن ينطبق عليه لقب صحفي».

وهنا أسأل الأستاذ، هل «البدل» وحده هو الذي أفسد مهنة الصحافة؟.. أم أن النفاق، والتسلق، والتملق، والوساطة والمحسوبية، وتوريث المهنة.. كانوا أهم الأسباب؟.. ثم إن كثيرًا من الصحفيين لم يكن ليقبلوا أن يمس أحد كرامتهم، لولا «الحاجة» إلى العمل، والبحث عن لقمة عيش نظيفة في بيئة تعج بالقاذورات، ولا يؤمن أغلب القائمين عليها بـ«الموهبة» قدر إيمانهم بـ«مواهب أخرى»، لا علاقة لها بـ«المهنية»!!

ثانيًا: قولك: «كيف أطلق على أشخاص لقب صحفيين، وهم ارتضوا بأن يعملوا في جرائدهم دون مرتبات، وأن يدفعوا تأميناتهم من أموالهم الخاصة من أجل أن يُعينوا، ويدفع بهم إلى جداول القيد بنقابة الصحفيين؛ طمعًا في قيمة بدل التدريب والتكنولوجيا؟!».. هو قول مردود عليه.. فأنت بدلًا من أن تبحث عن أصل الداء، اكتفيت بالكشف الظاهري، دون أن تسأل المريض، لماذا ارتضى ذلك؟

ألا تعلم أيها السكرتير العام لماذا ارتضى كثير من الصحفيين، خاصة المبتدئين، أن يعملوا في جرائدهم «دون مرتبات»؟.. إن كنت تعلم فتلك مصيبة، وإن كنت لا تعلم فالمصيبة أعظم.. إن معظم الملتحقين بالعمل في بلاط صاحبة الجلالة يعانون الأمرين، ويذوقون المر والعلقم من أجل «تعيينهم»؛ حتى يحصلوا على لقب «صحفي» بحق وحقيقي، وبعضهم يكون عالة على والديه، ويضطر للعمل في أكثر من جريدة؛ ليدبر - بالكاد - احتياجاته الأساسية.. لماذا؟.. لأن المؤسسة التي يعمل بها تعطيه «مكافأة» لا يقبل بها «عامل النظافة»، ومع ذلك يصبر ويحتسب، حتى يحقق حلمه.

ثالثًا: قولك يا أستاذنا: «نسبة كبيرة جدًا من الصحفيين لا يعملون، ويعيشون على البدل؛ لأنهم دخلوا المهنة طمعًا في البدل، وليس حبًا للصحافة، ولا تقديرًا لقيمة ورسالة المهنة، وهم يستحلون أموالًا ليست من حقهم».

هذا القول مردود عليه أيضًا.. إذ لا يمكن لأي كائن حي أن يعيش على البدل بمفرده، ولا أعتقد أن هناك صحفيا يقاتل للحصول على لقب «عاطل» بمزاجه.. فسيادتك أعلم مني بحجم الجرائد والمواقع التي أغلقت، أو أعادت الهيكلة، وشردت أعدادًا هائلة من الصحفيين كانوا ضيوفًا دائمين على سلم النقابة.. وبدلًا من أن يتدخل المجلس الموقر لحل مشاكلهم، اكتفى ببيانات الشجب والإدانة والاستنكار، ولم يتخذ خطوات جادة للضغط على مُلّاك الصحف لحفظ حقوق الصحفيين!

رابعًا: ذكرت سيادتك أن «راتب الصحفي يحصل عليه من جريدته التي يعمل بها، ولا حق له في أن يتقاضى راتبًا من نقابة الصحفيين المسئولة عن تقديم خدمات مختلفة، من رعاية صحية وتدريبات وبرامج، وغيرها للمنتمين إليها».

هذا كلام جميل ومعقول، ماقدرش أقول حاجة عنه.. لكن اسمح لي أحرجك وأسألك: إنت عارف راتب الصحفي الذي يحصل عليه من جريدته كام بالظبط؟.. أؤكد لك أن الراتب أيًا كانت قيمته لا يكفي للأكل فول وطعمية طول الشهر، ولا لشراء «سجاير فرط»، أو يضرب له حجرين معسل في غرزة تحت الكوبري، أو شراء قميص و«منطلون» مستعمل من وكالة البلح، إلا إذا استدان أو استعان بالمساعدات الأبوية؟!

خامسًا: تمنيت سيادتك «إلغاء البدل - غير المستحق - كي تطّهر النقابة من كل الطامعين، وتتخلص من غير الصحفيين الراغبين في الانضمام لها؛ طمعًا في أموال حرام».

واسمح لي أشاركك نفس الأمنية، ولكن قبل أن تتحدث عن «حرمانية البدل»، تحدث أولًا عن الأشياء التالية:-

- «تنقية» جدول النقابة، وتنظيفه وتطهيره من الذين دخلوا النقابة من الأبواب الخلفية.

- عقد اختبارات عاجلة وشاملة في الفنون الصحفية، وفي القراءة والكتابة؛ لإعادة تقييم كل الزملاء، بمن فيهم أعضاء مجلس النقابة، والتخلص من الذين يخطئون في أبسط قواعد الكتابة، وهم للأسف كثيرون، وبينهم صحفيون يعملون في نفس المؤسسة التي تعمل بها، ويحملون «الكارنيه»!

- إلزام أصحاب الجرائد بتحرير «عقد محترم» مع الصحفي الذي يمر عليه 6 أشهر في المؤسسة، براتب «محترم»، يكفيه ذل السؤال، ومد يده إلى «البدل الحرام»، ويحميه من معايرة البعض بـ«بدل التكنولوجيا»!

- ابدأ بنفسك أولًا، فإذا كان راتبك يتجاوز الأصفار الثلاثة، فلماذا لا تعلنها صراحة أنك «تنازلت» عن البدل؛ لأنه «حرام»، وأنت لا تقبل الحرام.

إذا فعلت ذلك، فسأكون أول المنادين بـ«إلغاء بدل الصحفيين.. رسميًا»!!
الجريدة الرسمية