رئيس التحرير
عصام كامل

شعب مصر بين برلمان مبارك..وبرلمان السيسي!


عرفت مصر تجربة البرلمان منذ فترة تاريخية طويلة من خلال مجلس شورى النواب 1866 في عهد الخديو إسماعيل، وكان يقتصر على الطبقات الغنية من أصحاب الأطيان المقربين من الخديو وحاشيته، ومع مطلع القرن العشرين ظهرت الأحزاب المصرية والتي كانت تتميز بطابعها النخبوى، وظل الوضع كذلك حتى تبلورت تجربة التعددية الحزبية مع ظهور الوفد في أعقاب ثورة 1919، ومع دستور 1923 الذي أسس لما يطلق عليه تجربة التعددية السياسية الأولى، في ظل الاحتلال البريطانى ظل البرلمان على حاله، حيث قيد الدستور حرية الفقراء والكادحين من الشعب المصرى من دخوله، حيث اشترط وجود عدد محدد من الملكية الزراعية للترشح له.


وظل الوضع كذلك حتى قيام ثورة يوليو 1952، والتي تمكنت من تحقيق الاستقلال الوطنى وتحرير مصر من الاحتلال البريطانى، وإلغاء الملكية وتأسيس الجمهورية، وإعداد دستور جديد للبلاد مكن الشعب المصرى ولأول مرة من خلال تمييز إيجابي للفقراء والكادحين من دخول البرلمان، دون شروط طبقية حيث أعطى للفلاحين والعمال نسبة لا تقل عن 50% من عدد مقاعد البرلمان، وأعطى للمرأة المصرية ولأول مرة في تاريخها حق الترشح للبرلمان بعد أن كانت محرومة من هذا الحق في الدساتير السابقة على دستور 1956.

ومنذ ذلك التاريخ والبرلمان قد تحول لأداة مملوكة للشعب، بعد أن كانت حكرا على فئة الأغنياء فقط، وتجدر الإشارة إلي أن الثورة قد أعطت فرصة للأحزاب للاستمرار بعد الثورة فوجدت أن الباشوات والأغنياء من الإقطاعيين الذين سرقوا ونهبوا قوت الشعب وقامت عليهم الثورة سوف يعودون من جديد لمواقعهم داخل السلطة سواء في الحكومة أو البرلمان، لذلك تم إلغاء الأحزاب ووضع قانون للعزل السياسي، وتم تكوين تنظيم سياسي واحد يجمع كل قوى الشعب العامل، ويمنح فرصة للفقراء والكادحين والمهمشين والمظلومين والمكلومين من شعب مصر من الحصول على حقوقهم المشروعة في الثروة والسلطة، فكانت هيئة التحرير التي تحولت للاتحاد القومى ثم الاتحاد الاشتراكى.

وجاء أنور السادات وأسس المنابر الثلاثة من داخل الاتحاد الاشتراكى عام 1976، والتي تحولت إلى ثلاثة أحزاب في نفس العام، ليؤسس بذلك ما عرف بتجربة التعددية السياسية الثانية، التي استمرت حتى قيام ثورة 25 يناير 2011، وخلال هذه التجربة هيمن حزب الرئيس على مقدرات البرلمان من خلال الحزب الذي يرأسه والذي كان حزب مصر العربي الاشتراكى الذي هجره السادات بعد أقل من عامين، ليؤسس بدلا منه الحزب الوطنى الديمقراطى في عام 1978، وعلى الرغم من أن الدستور كان يمكن الفقراء والكادحين من الشعب المصرى من الوصول إلى البرلمان إلا أن الواقع قد أفرز غير ذلك، حيث تحول البرلمان ليكون أداة في يد من يرضي عنه الحاكم سواء السادات أومن بعده مبارك، وتحول الدستور واقعيا لحبر على ورق، وعاد البرلمان مرة أخرى لأصحاب رءوس الأموال في الحضر والأعيان في الريف، مع عدم نسيان بعض المحظوظين من أحزاب المعارضة لزوم الديكور، وعندما وصلنا لبرلمان 2010 كان مبارك ورجاله قد ألغوا تماما الشعب المصرى، وأصبح البرلمان يتم وفقا لإراداتهم المنفردة بعيدا عن إرادة الشعب.

وقامت الثورة وانتظر الشعب المصرى جديدا فجاء برلمان 2012 ليحل فيه حزب الحرية والعدالة محل الحزب الوطنى، وظل المال السياسي في الحضر والعصبية والقبلية في الريف ونفوذ الجهاز الإدارى للدولة كما هي، ولم يصمد هذا البرلمان طويلا وتم حله بحكم قضائي، وقامت ثورة 30 يونيو 2013 وأطاحت بالإخوان المسلمين، وانتظر الشعب المصرى خارطة المستقبل فجاءت بدستور ثم رئيس وجاء الدور على البرلمان.

وللأسف الشديد فوض الرئيس صلاحية التشريع المؤقت لحكومة محلب عضو لجنة سياسات الحزب الوطنى المنحل بحكم قضائي، ليضع قانونا للانتخابات يكرس لنفس المنظومة الفاسدة القديمة، ويعود رموز نظام مبارك للبرلمان من جديد، خاصة صبيان المعلمين الكبار من الصفوف الخلفية للحزب الوطنى، فالمال السياسي كما هو والإعلام يسيطرون عليه، والعصبية والقبلية في الريف لهم، وتمكنوا من الإفلات من قانون العزل السياسي.

وبالطبع لم ينسوا أن يعطوا بعض المقاعد لبعض الوجوه الجديدة المعارضة لزوم الديكور القديم، وهو ما أدى إلى مقاطعة الشعب المصري للعملية الانتخابية، لإدراكهم أن هذا البرلمان ليس لهم فيه ناقة ولا جمل، ولن يعود عليهم بأى فائدة، لأن قواعد اللعبة القديمة كما هي فبرلمان مبارك هو برلمان السيسي، ولا عزاء لشعب مصر، وعليه أن يجهز نفسه ويعد العدة لموجة جديدة من الثورة، فثورة الصمت والمقاطعة سيعقبها انفجار لا محالة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

الجريدة الرسمية