رئيس التحرير
عصام كامل

ازدهار اللغة العربية في ألمانيا بعد موجة اللاجئين

فيتو

بعد أن كانت العربية حبيسة معاهد الاستشراق، عمدت وسائل إعلام ألمانية إلى إطلاق برامج ومطبوعات بالعربية من أجل تسهيل اندماج اللاجئين الوافدين حديثا إلى ألمانيا، إذ تقدم هذه العروض الإعلامية نظرة إلى تاريخ ألمانيا وثقافتها.

فتاة ألمانية شقراء تقف خلف قدر كبيرة للحساء ممسكة بمغرفة خشبية في أحد مراكز استقبال اللاجئين في ألمانيا، قد يبدو المشهد عاديًا، لكن حينما تبدأ الشقراء بقول "شوربة! شوربة! عندي شوربة!" بعربية ممزوجة بلكنة ألمانية واضحة، يختلف المشهد تمامًا، وهو ربما ما عبر عنه الكثير من المتابعين لمقطع الفيديو هذا، الذي انتشر في فيس بوك، حتى أن بعض المعلقين قالوا، إن موجة اللجوء جعلت ألمانيا تتحدث العربية. وقد لا يكون هذا التعليق خطأ تمامًا.

وبعد أن كان حضور اللغة العربية في ألمانيا لعقود طويلة مقتصرًا على النشرات العلمية ومعاهد الاستشراق، غيرت موجة اللاجئين - ونسبة كبيرة منهم تنحدر من بلدان عربية – من هذا المشهد، إذ تحررت لغة الضاد من رفوف خزانات المكتبات الألمانية وباتت جزءًا من تعامل ألمانيا مع موجة اللاجئين.

ويبدو أن موجة اللجوء إلى ألمانيا وضعت جانبًا على المدى القصير أحد مطالب سياسة الاندماج المهمة، والذي يؤكد على أهمية إتقان المهاجرين للغة الألمانية من أجل سهولة اندماجهم في مجتمعهم الألماني الجديد بشكل يمكنهم من التواصل مع محيطهم والبحث عن عمل ومساعدة أطفالهم في واجباتهم المدرسية أو حتى تعبئة أي استمارات مطلوبة.

ومن أجل أن يطلع الوافدون إلى ألمانيا مبكرًا على نظامها السياسي وثوابته، تُرجم دستور البلاد إلى العربية وُوزع عليهم، وباتت بعض الصحف الألمانية تصدر طبعات خاصة بالعربية لهؤلاء اللاجئين المنحدرين من دول عربية كسوريا والعراق.

يعرف المطلع على تاريخ ألمانيا بأن صحيفة "بيلد"، التي ارتبط اسمها خلال العقود الماضية بالكشف عن فضائح سياسية واجتماعية عدة، تتمتع بشعبية كبيرة في بلاد غوته. وأصدرت الصحيفة مطلع سبتمبر الماضي في برلين وبراندنبورغ ملحقًا مجانيًا من أربع صفحات يتضمن معلومات مهمة للاجئين وأهم معالم العاصمة برلين، التي يجب على اللاجئين الجدد معرفتها، وإلى جانب خريطة معلمة بأهم العناوين احتوى الملحق على قاموس بأهم المفردات الألمانية وما يقابلها بالعربية.

وأصدرت الصحيفة، الصادرة عن دار شبرينغر للنشر، 40 ألف نسخة من هذا الملحق بمبادرة من رئيس تحريرها بيتر هوت، الذي يرى أن هذه المعلومات تعد "الخطوة الأولى نحو اندماج" اللاجئين في ألمانيا، وهو ربما ما يمكن قراءته من عنوان الملحق "مرحبًا بكم في ألمانيا"، وكُتب في مقدمة الملحق "يُرجى إهداء هذه الصحيفة بعد قراءتها لأحد اللاجئين".

في مبادرة أخرى أطلقت قناة إن تي فاو الإخبارية برنامجًا تلفزيونيًا على موقعها الإلكتروني بعنوان "مرحبًا بكم في ألمانيا". ويتلخص هدف البرنامج كما يؤكد مقدمه الألماني المتحدث بالعربية قسطنطين شرايبر في "تعريف الجمهور العربي، وخاصة اللاجئين منهم بطبيعة الحياة في ألمانيا ونمط حياة الألمان، كما يقدم شرحًا للتشريعات والقوانين التي تنظم حياتهم"، كما يقول المقدم في حوار سابق مع DW عربية.

وإضافة إلى القوانين المتعلقة باللاجئين والإجابة على أسئلتهم، فمن القضايا المهمة التي يعالجها البرنامج هي حرية الرأي والمساواة بين الرجل والمرأة في ألمانيا، وهي إشكاليات قد يختلف النظر إليها وتقييمها في الدول التي ينحدر منها اللاجئون.

ورغم المتابعة الكبيرة للبرنامج من قبل المشاهدين العرب، كما تقول القناة الألمانية، فإنه تلقى الكثير من رسائل الاحتجاج من مواطنين ألمان، إذ يرون أن بث برنامج باللغة العربية على قناة ألمانية من الأمور غير المرحب بها، ويؤكدون ضرورة أن تكون البرامج الموجهة للاجئين باللغة الألمانية من أجل اندماجهم.

وفي رده على هذه الانتقادات يقول المقدم الألماني في حواره مع DW عربية: "رغم الانتقادات، فهناك الكثير من المواطنين الذي يدعمون البرنامج، لأنه يقدم للاجئين معلومات أساسية بلغتهم العربية تساعدهم على الاندماج في المجتمع".

يضع أحدهم بيضة وحبة بطاطا في ماء ساخن، وبعد دقائق يوضح أن البيضة باتت صلبة والبطاطا الصلبة باتت هشة، مشهد تعرفه أجيال عديدة في ألمانيا، من الذين تابعوا في صغرهم برنامج "الفأر"، فهذا البرنامج المخصص للأطفال، وتتخلله مشاهد مسلية قصيرة للفأر الكبير والفيل الصغير، يُبث على القنوات الرسمية الألمانية منذ 1971، ويعرض لقصص "مفيدة ومسلية" – كما يقول مقدمها-، الهدف منها إيصال معلومات علمية مبسطة للأطفال ودفعهم إلى التفكير في محتواها.

ومن أجل ألا تقتصر البرامج والنشرات المقدمة للاجئين بالعربية على الكبار فقط، فقد عمدت قناة "غرب ألمانيا" المحلية إلى ترجمة حلقات من هذا البرنامج الشهير بين أطفال ألمانيا، كي يكون الطريق ممهدًا لاندماج أطفال اللاجئين في الثقافة وأسلوب الحياة الألمانيين.

وأهمية هذا البرنامج تتلخص في أنه يقدم لموضوعات مرتبطة بالحياة اليومية في ألمانيا، التي يعرفها كل طفل بغض النظر عن الثقافة التي ينحدر منها، إذ توضح مشاهد الفأر والفيل كيفية عبور الشارع بطريقة صحيحة أو صعود الحافلة، أو لماذا تتساقط الأسنان اللبنية.

من المؤكد أن الاختلافات كبيرة بين ثقافة ألمانيا وثقافة الدول التي ينحدر منها اللاجئون العرب، ما يشكل صدمة ثقافية لهم تبعث على الكثير من الأسئلة عن وضعهم القانوني وحقوقهم وعن المسموح والمحظور، ولهذا السبب أطلقت مؤسسة DW صفحة معلوماتية خاصة باللاجئين الجدد، تحاول الإجابة عن أسئلتهم الملحة حول العمل والسكن وتعلم اللغة الألمانية.

وتبدأ الصفحة بتسليط الضوء على الجوانب القانونية للاجئين، ثم تتعدى ذلك إلى جوانب مهمة من حياة اللاجئين بعد النظر في طلباتهم، حيث يوضح أحد المواضيع سبل البحث عن السكن في ألمانيا ومن ثم شروط العمل والدراسة سواء في مراكز تأهيل مهني أو في الجامعات بالنسبة للذين يودون التقدم في تخصصاتهم العلمية والمهني، وإضافة إلى هذه المواضيع الخدمية تقدم الصفحة على مدى الساعة الأخبار المتعلقة بأزمة اللاجئين والجدل الذي يدور في ألمانيا حولها.

من جانبها قامت القناة الأولى للتليفزيون الألماني أيضًا بإطلاق صفحة مشابهة،وأمام حاجة دور النشر ووسائل الإعلام إلى تقديم برامجها باللغة العربية، فُتحت للمترجمين الملمين بالعربية فرص جديدة، بعد أن كان عملهم يقتصر على ترجمة الوثائق والنشرات التوضيحية في المقام الأول.

كما أن حاجة السلطات الألمانية للتفاهم مع اللاجئين الجدد الذين لا يتقنون الألمانية أو الإنجليزية، جعل من المترجمين الفوريين بين العربية والألمانية عملة نادرة.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل

الجريدة الرسمية