امرأة في عالم السوق
قررت في ثالث يوم إجازة في مصر، أني أطبخ بامية مع أني مش من عشاق البامية، بس مش معقول أكون في مصر ولا آكل بامية، واكتشفت أني مش ضروري أقمع البامية، ممكن كل حاجة تيجي لي جاهزة بالتليفون "إيشي خيال يا ناس"، بس أنا مش نازلة إجازة علشان أقعد في البيت.
بحب أنزل الشارع وأتكلم مع الناس وأتحاور معاهم، لدرجة أدت إلى ابتعادهم عني وحذرهم مني في آخر إجازة "الست بتاعت بلاد برة دي عايزة أيه وبتسأل عن أحوال مصر ليه"، فالإعلام زرع في عقولهم أن إللي عايشين بالدول الأجنبية مالهمش أمان، بيروحوا بلاد برة مصريين ويرجعوا أجانب، وممكن يبيعوا ضمايرهم علشان حفنة يوروهات، وطبعا تأكدت الفكرة وترسخت في أذهانهم بعد بنت الحلال التي جابت السوق تحكي أني أكتب في "فيس بوك" والجرائد والمواقع.
بعد نجاحي في شراء كيلو بامية، أرشدتني البائعة إلى السيدة الجالسة على رصيف المحال المجاورة لتقمع بامية، كانت تلبس جلابية بألوان متضاربة، وإيشارب معقود على الرأس، كم اشتقت منذ سنوات طفولتي إلى سيدة بهذه الملابس، متجاهلة تعجبي من عدم تطور الزي الريفي على مدى هذه العقود، فقلت لها صباح الخير ممكن تقمعي لي الكيلو ده، فأجابت: مش فاضية، صدمتني الإجابة، فقلت لها: طيب هستناكي لما تخلصي، فردت: إن شاء الله.
جلست إلى جوارها، وفي الجهة الأخرى تحاورها سيدة بجلابية سمراء، مندمجة في الحديث، في الوقت الذي كنت أتصنع فيه متابعة السوق، ولكنني وضعت كامل طاقة أذناي في الإنصات لحوارهما، بفضول أخفته نظارتي الشمسية.
قالت السيدة المتحدثة: وأنا قلت لبنتي بصي يا بت إحنا كلنا لما اتجوزنا حمواتنا ورونا الويل أشكال وألوان، إنما يا أختي مشينا حالنا واتحملنا، وأبوكي حالف لو رجعتي البيت غضبانة أنه هيرجعك لجوزك تاني.
وعندها نظرت إلى السيدة إللي بتقمع البامية وقالت: هاتي يا أبلة البامية بتاعتك، بعد أن بدأت الكيلو بتاعي، كان على لساني آلاف الكلمات أريد أن أقولها، هل هذه هي طريقة تعامل بها زوجة شابة في بيت زوجها أن ترضخ للقهر لكي تعيش، وأن تصبح مطحونة بين شقي الرحى، بين جحيم حماتها وإصرار أهلها على إعادتها مذلولة، منذ 30 عاما كنت أجلس إلى جوار جدتي في السوق لتحكي لها سيدة ريفية نفس الحديث ونفس القصة ونفس الظلم وما زلنا لم نتغير..
فتحت "فيس بوك" أعيد قراءة كلمات كتبتها منذ أيام، يمكن أن نحتفل بالمرأة وبدورها الفعال في المجتمع، وأنها الأم القادرة على تربية ابن حر مثلها والأخت المسئولة عن أخيها، والزوجة السند لزوجها، فالمرأة ليست فقط نصف المجتمع بل المسئولة عن المجتمع كله.