رئيس التحرير
عصام كامل

الإسكندرية.. وشربة عم محمود!


في الخمسينيات وبعض سنوات الستينيات من القرن الماضي، كان من الشائع أن يطوف في شوارع القرى والأحياء الشعبية للمدن من يبيع «شربة الدود بتاعت عم محمود» التي تشفي من كل الأمراض.. وفي الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات اشتهر في مراكز العلاج بالقرى والأحياء الشعبية، علاج واحد كان يصفه أطباء هذه الوحدات الطبية لكل الأمراض هو الحديد والزرنيخ، ويبدو أن البعض منا ما زال متأثرا بما عاشه في الماضي أو سمع به عنه.. لذلك عندما تواجهنا أي مشكلة يسارع بطرح الحل لها وهو «الانتخابات»!


علاج مشاكل الجامعات عندهم يتمثل في انتخابات عمداء الكليات ورؤساء الجامعات.. وعلاج مشاكل القرى هي انتخابات عمدائها، وعلاج مشاكل الصرف الصحي وغرق مدننا في مياه الأمطار هو انتخاب المحافظين ورؤساء الأحياء.. إلى آخره!

وهكذا اختصر هؤلاء حل أي مشكلة تواجهنا في علاج وحيد لها هو الانتخابات للقيادات.. وأنا لست بالطبع ضد تعميم الانتخابات في كل مجالات حياتنا، لتنتشر وتشيع الممارسة الديمقراطية، ولكنني أتعجب فقط من اختزال علاج مشاكلنا المعقدة والمتداخلة في دواء واحد فقط على غرار «شربة عم محمود» و«حديد وزرنيخ» أطباء الوحدات الطبية الريفية والشعبية.. لقد جربنا الانتخابات لعمداء ورؤساء الجامعات، ولم نلمس تغييرا يذكر في أداء الجامعات.. بل ها نحن نخوض انتخابات برلمانية انسحب منها بعض من يطرحون علينا الانتخابات كحل لمشاكل المحليات.. ولعلنا لا ننسى حتى الآن أن الانتخابات هي التي جاءت لنا من قبل بالإخوان إلى الحكم، وجاءت لنا بالسلفيين كوصيف لهم في أكثرية البرلمان.

ما أود قوله إن مشاكلنا معقدة ومتشابكة ومتعددة الأسباب، وتحتاج لعلاج يجمع بين عدة عقاقير سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية في وقت واحد.. ويجب ألا نبسط الأمور أو نختزلها في حل واحد أو عقار وحيد نقدمه دائما لحل كل مشكلة أو أزمة تواجهنا.. لذلك أتمنى من السادة السياسيين أن يترفقوا بنا وأن يبحثوا عن الأسباب التفصيلية لكل مشكلة؛ ليقدموا التشخيص السليم لها حتى يختاروا لنا العلاج الناجع لهذه المشكلة.. وإذا كانوا يقولون الآن لنا إن الانتخابات لن تأتي بالبرلمان الجيد، فكيف يرون أن الانتخابات هي التي ستحمي الإسكندرية وغيرها من المدن من الغرق في مياه الأمطار والمجاري؟
الجريدة الرسمية