الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية
اتفقت كل آراء المحللين والمراقبين على أن أداء الجيش والشرطة في تأمين الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية كان متميزا ورائعا.. فقد سدوا كل الثغرات، حتى لا ينفذ منها إرهابي واحد، فيعطل مسيرتها أو يعكر صفوها، والحمد لله تحقق لهم ما أرادوا، وهم مستمرون في عملية التأمين حتى النهاية.. والحقيقة أن هذا لم يكن عملهم فقط، رغم أهميته القصوى، فقد شهد القاصي والداني بأن تعاملهم مع المواطنين كان إنسانيا وأخلاقيا وحضاريا.
وقد تفاوتت الآراء حول تفسير ظاهرة نسبة مشاركة الجماهير.. وفي تصوري أن هناك أسبابا كثيرة وليست سببا واحدا.. فهناك أسباب متعلقة بالمناخ العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وأخرى مرتبطة بالأحزاب ذاتها.. لا بد أن نسلم ابتداء بأن هناك مناخا عاما من الإحباط مخيم على الجماهير عامة والشباب خاصة.. وأن هذا الإحباط يرجع في الأساس إلى أن المواطن المصري قام بثورتين عظيمتين في وقت قياسي غير مسبوق، وكان يتوقع أن تحل مشكلاته كلها، وأن يتغير واقعه إلى الأفضل، لكنه لم يجد ما كان يحلم به ويتمناه، وكأن الثورتين لم تقعا..
وقد ساهم في تعزيز هذا الإحباط، أولا: إصدار القانون الخاص بالتظاهر، وكأنها عودة إلى عهد ما قبل ثورة ٢٥ يناير، على الرغم من اعتراض القوى السياسية عليه، فضلا عن الملاحظات التي أبداها المجلس القومي لحقوق الإنسان، ثانيا: تدهور قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، ثالثا: التصريحات الأخيرة التي أدلت بها وزيرة التضامن بخصوص أموال التأمينات والمعاشات، رابعا: تلك الأصوات المطالبة بتعديل مواد الدستور الذي وافق عليه الشعب ولم يمض عليه فترة وجيزة، فضلا عن عدم استخدامه، أو ترجمته إلى قوانين، وخامسا: القانون "المعيب" لانتخابات البرلمان، من حيث نسبة المقاعد المخصصة للقوائم إلى نظيرتها المخصصة للفردي، وكذا تقسيم الدوائر.. صحيح أن التجارب السابقة دلت على أن النظام الفردي هو الأنسب للمواطن المصري، خاصة إذا كانت هناك قامات لها دورها السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو القانوني أو الاقتصادي على المستوى المجتمعي العام، لكن هذا الوضع لا ينهض بالعملية السياسية، بل يعتبر خصما من التجربة الديمقراطية.. فالأخيرة تعتمد في الأساس على التعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة، ولا يمكن أن يتم ذلك من خلال الاستمرار في تطبيق النظام الفردي.
وغني عن البيان، أن عدم وجود منافسة قوية بين الأحزاب يمثل أحد أبرز الأسباب وراء الإقبال الضعيف على صناديق الاقتراع.. فالأحزاب من حيث بنائها الداخلي، ضعيفة وهشة، وتتهددها الخلافات والانقسامات، كما أن تواصلها مع الجماهير في المدن والقرى والكفور يكاد يكون معدوما، علاوة على افتقارها إلى الماكينة التي تدير العملية الانتخابية لها.. وإذا تأملت في برامج الأحزاب ومواقفها السياسية، لا تجد فروقا واضحة فيما بينها، كأنك أمام لون واحد، وأنك سوف تكون أمام برلمان غير مؤثر وفاعل، وأن معارضته لسياسة الرئيس - إن وجدت - سوف تكون معارضة شكلية أو ضعيفة..
إن فوز قائمة "في حب مصر" لا يعني أنها تتمتع بمستوى عال من التميز، من حيث البرنامج وتوافر الرموز المقنعة للجماهير، بقدر ما يشير إلى ضعف الأحزاب، تماما كأنك أمام رجل قصير أو حتى متوسط القامة يقف وسط أقزام، فبدا كأنه عملاق.. هذه هي القضية.. أما الهزيمة التي منيت بها قائمة حزب النور، فقد كانت متوقعة.. إذ مما لا شك فيه أن فشل الإخوان في إدارة شئون الدولة في العام الذي حكموا فيه مصر، قد ألقى بظلال سلبية على شعبية التيار الإسلامي كله، بما فيه حزب النور.. كما أن انفضاض بقية التيار السلفي عن حزب النور بسبب موقفه من ثورة ٣٠ يونيو و٣ يوليو، قد سحب البساط من تحت قدميه.
من المضحك أن يدعي الإخوان وأنصارهم أن ضعف المشاركة الجماهيرية جاءت نتيجة دعوتهم لهذه الجماهير بالمقاطعة، وبالتالي فالثورة على حد زعمهم مستمرة(!).. وبهذا الادعاء يثبت الإخوان وأنصارهم للمرة المائة، أنهم لا يقرأون الواقع، ولا يفهمون عمق المشكلة ولا الأسباب التي أدت إليها.. هم لا ينظرون إلا إلى أنفسهم، يتمحورون حول ذواتهم.. كما أنهم ينتهزون أي فرصة أو ثغرة؛ كي يستثمروها لصالحهم، لكن هيهات..