الدستور العليل...
على الرغم من أن النتائج الأولية للاستفتاء على الدستور جاءت لتعبر عن موافقة الشعب عليه وتمريره، إلا أن المشهد السياسى المحيط بالاستفتاء ينذر بأن هذا الدستور لن يدوم فترة طويلة.
فهناك العديد من الوقائع التى تؤكد أن هذا الدستور سوف يكون بمثابة دستور مؤقت، وتتمثل أولى هذه الوقائع فى الأجواء القتالية التى أحيطت بالاستفتاء، فمن المتعارف عليه -وفقا للخبرات التاريخية- أن عملية وضع الدستور فى تاريخ معظم الدول تمثل مرحلة من مراحل التوافق والتلاحم الشعبي، فقد شاهدنا دولًا عديدة قامت بتمرير دساتيرها فى ظل عرس ديمقراطى تشوبه الاحتفالات ببداية عهد جديد فى ظل دستور توافقي، إلا أن الوضع فى مصر قد اختلف تماما، حيث شهدت مصر تمرير دستورها فى ظل مشهد دكتاتورى تشوبه الدماء من كل جهة، ولذلك فإذا استمر هذا الدستور، فسيظل عالقا فى أذهان التاريخ أن دستور الثورة كتب بدماء ضحاياه، وهو ما لا يمكن أن يقبله الشعب.
أما ثانى هذه الوقائع فيتمثل فى الانتهاكات والتجاوزات الموثقة التى شاهدتها عملية الاستفتاء على الدستور، وهو ما يمكن أن يؤثر وبصورة كبيرة على شرعيته، فنتيجة لتلك التجاوزات أصبحت فئة -ليست قليلة من الشعب- لا تعترف بهذا الدستور، وتراه لا يعبر عن إرادتها.
أما ثالث هذه الوقائع فيتمثل فى بعض مواد الدستور ذاته، التى من المتوقع أن يتم توظيفها بصورة كبيرة خلال الفترة القادمة، وبخاصة فيما يتعلق بالمواد الخاصة بالحقوق والحريات، والتى أرى أنها سوف تؤدى إلى تحجيم حرية الرأى والتعبير بصورة كبيرة، وهو ما لا ترضاه القوى المعارضة.
أما رابع هذه الوقائع وأهمها فيتمثل فى سياسة النظام الحاكم ذاته، ومدى وفائه بالوعود المتعلقة بتحقيق الاستقرار -بكل جوانبه سواء كان السياسى أو الاقتصادى- فى حالة الاستفتاء بنعم على الدستور وتمريره، ولكن فى ظل المشهد الحالى أتوقع أن تمرير الدستور سوف يمثل مرحلة جديدة لحالة عدم الاستقرار التى تشهدها مصر منذ ما يقرب من عامين، وبخاصة فى ظل حالة الاستقطاب الحادة بين القوى السياسية من ناحية، وسوء الأوضاع الاقتصادية من ناحية أخرى، وهو ما سيدفع من تم استدراجهم للموافقة على الدستور من أجل الاستقرار إلى اللجوء إلى أدوات الضغط الشعبى من أجل العدول عن سياسات الجماعة بما فيها دستورهم.
وأخيرا وليس آخرا، فإن تعديل الدستور فى ظل إطار قانونى يعد بمثابة أمر من المستحيل تنفيذه وفقا للشروط المجحفة التى تتضمنها الدستور، وبالتالى فالدستور المصرى أصبح ما هو إلا دستور عليل لا يمكن علاجه، وبالتالى فهو لن يعيش طويلا.