رئيس التحرير
عصام كامل

حكومة الأعداء!.. «إسماعيل» يقع في فخ تجاهل مشروعات المؤتمر الاقتصادى.. ويفشل في التعلم من «خطايا محلب».. ارتفاع الأسعار وأزمة الدولار تهدد «مجلس الوزراء».. وعجز الموازنة

المهندس شريف إسماعيل
المهندس شريف إسماعيل

في مصر.. وفى مصر فقط، يأتى المسئول إلى منصبه دون الإشارة إلى الأسباب التي جاءت به إلى المنصب، وما المقومات التي دفعت القيادة السياسية لاختياره في المنصب.


وفى مصر.. ومصر فقط أيضا، يرحل المسئول ذاته من المنصب، دون الإشارة أو التلميح حتى إلى الأسباب التي أخرجته من «جنة الدولة»، ودون حتى الاستحياء من المزاعم التي ساقتها «ألسنة السلطة»، حول المقدرة التي يتمتع بها المسئول الكبير في رحلة «تسويقه للمواطنين».


حكومة المهندس شريف إسماعيل، واحدة من الأمثلة الحية، التي تثبت النظرية السابقة، فالرجل دخل مجلس الوزراء بـ«قرار رئاسي»، وأخذ التعليمات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، والإعلام أعلن «هدنة مؤقتة» معه، في انتظار تحقيق ما فشل «البلدوزر» المهندس إبراهيم محلب في تحقيقه.

«إسماعيل».. خطواته الأولى داخل مكتبه الحكومى كانت تشير، وتؤكد أيضا أنه «اختيار أزمة»، وأن حكومته لا تتعدى كونه «فك زنقة»، غير أن تصريحات غير مباشرة، من جانب رئيس الجمهورية، في مناسبة ما، حول احتمالية «تمديد الثقة» في حكومته، دفعت البعض للإشارة إلى أن الرجل يجب أن يعتمد خطة جديدة للعمل في الحكومة، بما يتناسب مع قرار «التمديد» المتوقع.

المثير في الأمر، أن كل الجهات تلقت كلمات الرئيس فيما يخص تثبيت أقدام الحكومة، عدا أعضاء الحكومة، وهو أمر كشفته تحركاتهم التي جاءت جميعها عكس ما يريده الرئيس، وما سبق أن أكد عليه في خطاب تكليف الحكومة الجديدة.

«تقليص العجز في الموازنة العامة، وتحسين معيشة المواطنين، وترشيد الإنفاق العام».. كانت هذه هي أولى الرسائل من الرئيس عبد الفتاح السيسي للمهندس شريف إسماعيل، منذ اللحظة الأولى لتكليفه بالعمل رئيسا للوزراء، خلفا «للبلدوزر» المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء السابق.

الرئيس شدد أيضا على أهمية توفير التمويل اللازم لاستكمال المشروعات المتوقفة، دون تحميل الموازنة العامة للدولة أي أعباء إضافية.

الموازنة أزمة
وقد شهد إعداد الموازنة العامة للدولة في ظل حكومة إبراهيم محلب السابقة شدا وجذبا، بعد أن رفضها الرئيس أكثر من مرة بدواعى تقليص العجز في الموازنة العامة للدولة، حتى تمت الموافقة الرسمية عليها بإجمالى عجز كلى وصل إلى 251 مليار جنيه، بما يعادل 8.9% من الناتج المحلي، مقابل 10.8% عجز متوقع للعام المالى 2014 / 2015.

ومنذ اعتماد الرئيس للموازنة الجديدة والتعليمات واضحة وصريحة لجميع الوزراء بالحكومة في هذا الشأن، وهى خفص العجز وترشيد الإنفاق العام، دون المساس بالبرامج الموجهة للمواطنين محدودى الدخل والفئات الأولى بالرعاية.

مخالفة التعليمات
إلا أن الحكومة ضربت بتعليمات الرئيس عرض الحائط، فبعد مرور أقل من شهر على الحكومة الجديدة، ارتفع العجز في الموازنة العامة للدولة إلى 261.8 مليار جنيه، بنسبة 10.8% من الناتج المحلي، وطرحت وزارة المالية سندات خزانة بقيمة 7.25 مليارات جنيه عبر البنك المركزي؛ لسد العجز في الموازنة.

وبلغ قيمة الطرح الأول لسندات الخزانة 2 مليار جنيه، لأجل عام ونصف العام، فيما تبلغ قيمة الطرح الثانى 3 مليارات جنيه، لأجل 3 سنوات، وتبلغ قيمة الطرح الثالث 2.250 مليار جنيه لأجل 7 سنوات.

مشروعات المؤتمر الاقتصادي
تقليص العجز لا يمكن اعتباره الملف الوحيد الذي شهد تراجعا من جانب الحكومة، فالرئيس أكد على ضرورة متابعة مشروعات المؤتمر الاقتصادى الذي انعقد في مارس الماضى بمدينة شرم الشيخ، لاسيما أنه تم اتهام حكومة إبراهيم محلب بالإهمال في متابعة مشروعات المؤتمر، وحتى الآن تم عقد عدد من الاجتماعات بمجلس الوزراء لمتابعة المشروعات، دون الإعلان عن إجراءات لمتابعة تلك المشروعات أو تحويل مذكرات التفاهم التي تم توقيعها إلى عقود حقيقية، ما يعرض مشروعات المؤتمر التي تم التوقيع عليها للإلغاء من جانب الشركات والدول الموقعة؛ بسبب عدم جدية الحكومة المصرية، خاصة أن معظم المذكرات معلقة على شروط إذا لم تتحقق لن تتحول إلى عقود، وبالتالى يصبح ما أنفقته مصر على تنظيم المؤتمر الاقتصادى قد ضاع أدراج الرياح، دون تحقيق استفادة حقيقية تعود بالنفع على الاقتصاد المصرى الذي يعاني.

أزمة الدولار
ويعانى الاقتصاد المصرى حاليا - وفق ما أكدته مصادر حكومية رفيعة المستوى - بسبب توابع «أزمة الدولار»، لاسيما بسبب ارتفاع سعر الدولار في مقابل الجنيه المصري، وارتفاع نسبة وقيمة الواردات المصرية، مقارنة بالصادرات التي ارتفعت بشدة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وهو ما تسبب في زيادة الطلب على الدولار، وقلة موارد الحصول على العملة الصعبة؛ بسبب انخفاض أعداد السائحين الأجانب وارتفاع الواردات.

حيث رصدت التقارير الحكومية تراجع الصادرات خلال الفترة الأخيرة بنسبة 12.5 مليار دولار، مقارنة بـ15.4 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي، وتراجع صادرات الصناعات الكيماوية والأسمدة لـ1.8 مليار دولار، مقابل 2.8 مليار دولار العام الماضي، كما انخفضت صادرات الجلود لـ108 ملايين جنيه، مقابل 149 مليون دولار العام الماضي، وكذلك مواد البناء تراجعت إلى 1.9 مليار دولار، بعدما كانت 2.55 مليار دولار العام الماضي.

تعتيم إعلامي
وأكدت مصادر مطلعة، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أكد على ضرورة إطلاع وسائل الإعلام على المشكلات التي تعانى منها الحكومة لمشاركة الشعب المصرى في صنع القرار، وتحديد مصيره، لاسيما أن خطاب تكليف الحكومة جاء به أنه يتعين على الحكومة تحقيق أكبر قدر من التواصل بين مختلف الوزارات وبين مختلف فئات الشعب المصري؛ لتعريف المواطنين بحقيقة الموقف إزاء مختلف القضايا والمشروعات، وإمداد المواطن بالمعلومات الدقيقة والصحيحة عن السياسات والمشروعات القومية المختلفة، والتقدم الذي يتم إحرازه على صعيد إنجازها؛ وذلك بالتعاون والتنسيق مع وسائل الإعلام.

وحتى الآن هناك تعتيم إعلامي متعمد من جانب الوزارات والمستشارين الإعلاميين بها، وتعمد في إخفاء المعلومات المهمة عن وسائل الإعلام، لاسيما وزارة الزراعة التي يوجد بها أعلى نسبة فساد ويحاكم وزيرها السابق في حكومة محلب الدكتور صلاح هلال، مع آخرين بتهمة الفساد والاستيلاء على الأراضي.

ارتفاع الأسعار
وجاء بخطاب تكليف الرئيس لحكومة شريف إسماعيل، تحسين مستوى معيشة المواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإيلاء الأهمية للفئات الأولى بالرعاية، وزيادة كفاءة عمل الحكومة، وتحقيق المزيد من الشفافية والنزاهة، إلا أن الأسعار زادت بشكل كبير، وذلك أثر سلبا على معيشة المواطنين البسطاء ومحدودى الدخل.

وتحاول حكومة إسماعيل السيطرة على الأسعار بتوفير السلع الأساسية بالمجمعات الاستهلاكية التابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية، وتم التوجيه بمراجعة الإجراءات المتعلقة بالصادرات، في إطار ضبط الأسعار طبقا لآليات السوق الحرة.

المليون ونصف المليون فدان
ورغم أن الرئيس أكد على أن تسابق الحكومة الزمن للانتهاء من مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان، إلا أن المشروع لم يشهد انفراجة حقيقية مقارنة بما يطلبه الرئيس، إضافة إلى أن هناك الكثير من المشروعات التي تحتاج إلى تمويل، التي تسعى وزارتا المالية والتعاون الدولى لإيجاد تمويل لها؛ لعدم إلقاء أعباء إضافية على الموازنة العامة للدولة التي ارتفع نسبة العجز بها رغم التعليمات الواضحة للرئيس بترشيد الإنفاق وتقليص العجز في الموازنة دون المساس بالبرامج الاجتماعية للمواطنين البسطاء.

توقيت صعب
وأكدت مصادر، أن الفترة الحالية تعتبر الأصعب في حياة الحكومة الحالية، لاسيما بسبب كثرة المشاكل التي تواجهها دفعة واحدة، وهو ما يجعل الحكومة الحالية في ورطة حقيقية؛ بسبب عدم قدرتها على تنفيذ تكليفات الرئيس في ظل تراجع الجنيه المصرى أمام الدولار، وقلة الصادرات مقارنة بالواردات التي ارتفعت بشكل مخيف خلال الفترة الأخيرة.

ورغم حالة التراخى من بعض الوزارات والهيئات في تنفيذ المهام الموكلة اليها إلا أن الأمانة تقتضى التأكيد على أن الأداء الحكومى ليس سيئا إلى درجة تدعو للإحباط، ودائما ما تكون هناك نقاط مضيئة، بفضل تحركات عدد من الوزراء بالحكومة لخلق نوع من التوازن في العمل الحكومي، لكن التحديات صعبة وكثيرة وتحتاج إلى حكومة مقاتلين؛ لاستيعاب المشاكل ووضع تصورات وحلول غير تقليدية لها.

من أبرز الوزراء الذين يحققون نتائج طيبة الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء، لاسيما بسبب الإعداد الجيد للصيف المقبل بمزيد من صيانة المحطات وإدخال محطات جديدة للعمل؛ لتوليد مزيد من الجهد الكهربائى بما يضمن القضاء على الأزمة نهائيا.

وتشير تقارير الأجهزة الرقابية، إلى أن الدكتور أشرف العربى وزير التخطيط والإصلاح الإدارى بالدولة، يحتل مرتبة متميزة بفضل تحركاته والتنسيق مع كل الوزارات والمؤسسات والمصالح الحكومية في إعادة هيكلتها، لاسيما مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون «ماسبيرو».

كما نجح وزير الداخلية اللواء مجدى عبد الغفار، في فرض نوع من السيطرة الأمنية، وانحصار أعمال التفجيرات التي تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين - المصنفة إرهابية - بعد إلقاء القبض على حسن مالك خزانة الجماعة الإرهابية والممول الرئيسى لأحداث العنف، إضافة إلى إلقاء القبض على عدد من التشكيلات الإرهابية التي تقوم بالتفجير.

وتحاول الحكومة الحالية بقيادة المهندس شريف إسماعيل، السيطرة على الأزمات، لاسيما أنها وجدت نفسها محاصرة بالمشاكل منذ الوهلة الأولى، الأمر الذي كبلها أعباء التغلب على هذه الأزمات التي ظهرت فجأة كأزمة الدولار، وارتفاع الأسعار بشكل جنونى كرد فعل طبيعى لعدم استقرار سعر الجنيه المصرى في مقابل الدولار.

ويتميز شريف إسماعيل بأنه أكثر إنجازا من المهندس إبراهيم محلب رئيس الحكومة السابق، فيما يتعلق بإصدار القرارات، والاجتماعات، التي لن تجد فيها إلا مناقشة جادة للقرارات والأزمات، فلا يزيد الاجتماع الأسبوعى الحالى للحكومة عن 3 ساعات، بخلاف اجتماعات حكومة محلب الذي قد يتجاوز فيها الاجتماع الواحد 7 ساعات متواصلة، ما كان يؤثر سلبا على تركيز الوزراء ويعرضهم للإجهاد، ويؤثر أيضا على سير العمل بالوزارات التي كانت تضطرب لوجود الوزير أغلب الأوقات إما في اجتماعات مجلس الوزراء وإما في جولات رئيس الوزراء اليومية.

كما تشير التقارير، إلى جهود حثيثة يقوم بها هشام زعزوع وزير السياحة عالميا؛ لتنشيط السياحة، بالدعاية الجيدة لمصر، والرد عبر وزارة الخارجية على تقارير الصحف الأجنبية المغلوطة التي تنشر أخبارا غير صحيحة عن الأوضاع الأمنية في مصر، فتسبب عزوفا للسائحين الأجانب عن زيارة مصر.

ويعتبر اللواء سعد الجيوشي، وزير النقل، أكثر الوزراء بالحكومة نشاطا؛ حيث قام بأكثر من 30 جولة تفقدية خلال شهر، قام فيها باتخاذ عدد من القرارات لتحسين منظومة النقل في مصر، والسكك الحديدية ومترو الأنفاق.

النقاط المضيئة كثيرة، والإخفاق في عدد من الملفات، لا يعنى أن الحكومة لا تبذل مجهودا، أو أنها لا تحاول تغيير الواقع، لكن التحديات والظروف تفرض أن تبذل الحكومة مجهودات جبارة؛ لتحقيق رغبات الشعب المصرى الحالم بتحسين مستوى معيشته وتحسين الخدمات المقدمة له.

نقلا عن العدد الورقي*
الجريدة الرسمية