أحزاب.. منقطعة الجماهير!
حتى لو كنت ثوريا حتى الثمالة.. حتى لو كانت الثورة "بتبظ" من عينيك، ونازلة على رئتيك، وتمنعك من الكلام أحيانا؛ حزنا على الأوضاع.. وحسرة عليها، فلن تكون موضوعيا لو تماشيت مع نبرة الحديث عن "عودة رموز الوطني للحياة السياسية"، بعد نتائج المرحلة الأولى.
حتى لو كنت ثوريا حتى "إخمص قدميك"، والفكر الثوري "مدلدق" على هدومك، ومقطع لحم ذاكرتك.. وتاريخك، وكاد يتسبب في تغيير جغرافيتك الشخصية، كما سبق له وهدد جغرافية البلد، وجغرافية الشرق الأوسط كله، لن تكون منطقيا لو ماشيت النبرة السائدة "على ضّيق" بأن البرلمان القادم برلمان فلول.. ونظام سابق.
لا هو برلمان نظام سابق، ولا قائمة "في حب مصر" فلول.
صحيح هناك ملاحظات على الفائزين بالعضوية.. وبالتأكيد هناك كلام في بعض المتصدرين للقوائم، وفي بعض المستقلين.. لكن لو عادت نغمة "الثورة اتسرقت.. والوطني عاد.. ورموز الثورة تم تهميشهم"، فالنتيجة ليست خطيرة على الواقع السياسي فقط، إنما أشد خطورة على "ساسة يناير" نفسهم.
السؤال الذي يصح طرحه: هل الانتخابات نزيهة أم لا؟.. لو كانت الإجابة: "نعم نزيهة" تعالى نتكلم.
بعضهم يرى أنها كانت نزيهة، لكن الشباب قاطع ضيقا من ترشح وجوه قديمة.
حقهم.. لكن هناك في المقابل، من يرى أن المقاطعة ليست حلا، ولو أن قدرة المقاطعين فعالة، وجبارة، ونافذة، فالأولى كان حشدهم للتصويت؛ لتغيير النتائج وقطع الطريق على من يرونهم وجوها قديمة.
هي إذن فرضية ليست في صف من قاطعوا، ولا من استهانوا، لو سلمنا بقدرتهم، أو قوتهم، أو كتلتهم.
ثانيا: لو الانتخابات نزيهة، بينما عادت وجوه قديمة.. فالمعنى أن هذه الوجوه هي ترجمة لإرادة الناخب في الوقت الحالي.. يعني الناخب أراد عبد الرحيم علي، وتجاهل عمرو الشوبكي.. الناخب صّوت لأحمد مرتضى منصور.. وتجاهل عمرو الشوبكي أيضا.
الناخب لا يريد عمرو الشوبكي.. أو عمرو الشوبكي نفسه لم يستطع الوصول إلى الناخب.. الأزمة عند عمرو الشوبكي إذن.. المشكلة في صفوفه.. الأسئلة مفترض أن تبدأ من عنده.. ليس على الشوبكي أن يسأل: كيف للناخب أن يتجاهله وهو واحد من "رموز يناير"؟.. السؤال الأصح هو: ما الذي جعل الناخب يتجاهل الشوبكي وهو واحد ممن يصدرون أنفسهم على أنهم "ثمرة يناير"؟
مقابلة نتائج المرحلة الأولى بـ"ضغينة"، ووساوس قهرية، وإحساس بالاضطهاد، وأوهام دعم الرئاسة لمرشحين بعينهم، ليس لها تفسير إلا أنها ارتباك في التفكير.. واضطراب في محتوى المنطق.
بعضهم يقولون: "مال سياسي".. هم أحرار.. لكن في المقابل، هناك أحرار أيضا في أن يردوا بأن "المال السياسي" في المرحلة الأولى كان على عينك يا تاجر.. الكل أنفق مما يحب من مال سياسي وزيادة.. الكل صرف.. والكل بعزق.
مصطلح "المال السياسي" غريب ودخيل، وليس له محل من الإعراب.. التمويل ظاهرة انتخابية.. في الدول الديمقراطية يجمعون مصاريف الحملات الانتخابية الرئاسية بالملايين.. وقبل التصويت بسنوات.. الانتخابات في أكثر الدول الديمقراطية "موسم" لشركات الدعاية، ومكاتب تنظيم المؤتمرات.. سرادقات الانتخابات على الطريقة الأمريكية مثلا، ومصاريف حشد الناخبين هناك بملايين الدولارات.
هيلاري كلينتون، المرشحة للرئاسة الأمريكية، صرفت على حملتها حتى الآن أكثر من 78 مليون دولار.. لو فازت كلينتون، لن يقبل المواطن الأمريكي الحديث عن استخدام حملتها للمال السياسي!
المال السياسي ليست نقيصة انتخابية، بدليل أن هناك من أنفق ببذخ، مالا سياسيا، على مال غير سياسي، على مال مشكوك في مصدره.. ولم يشم رائحة الفوز أيضا.. بدليل أن تحالفات كثيرة تراجعت، أسست بمال سياسي.. لو كانت فازت كان المال السياسي حلالا.. أما أنها سقطت من الدور العشرين، فهي تتكلم الآن عن المال السياسي.
سلام عليك مالا سياسيا.
ثالثا: افرض – وعلى سبيل الفرض فقط – أن الدولة تدعم فصيلا ما، فأين يا سيدي "التيار الشعبي" و"القوى الشعبية" و"التحالف الجماهيري"، ومسميات أخرى أوهمتنا أنها قامت من الجماهير، والحشود العريضة، وصدرت للإعلام أفكارا عن تنازع المواطنين تحت مقراتها على أولوية التصويت؛ دفعا لتدخل الدولة، وكرها في سياسات الرئاسة.. والرئيس "السيسي"؟
لماذا لم تشهد تلك التحالفات أي "تصويتات جماهيرية"؟
لو لم تكن تلك التحالفات قادرة على "مواجهة المؤسسة"، فهل يحق لها المطالبة بقيادة البرلمان، وتشكيل حكومة، تحاسب الرئيس، وتتكلم باسم الشعب.. وتقر وتلغي قرارات.. وتصدر قوانين.. وتصيغ تشريعات؟
المعركة الانتخابية صراع.. لا يحق لك العزوف عنها بحجة "شدة الصراع".. الانتخابات ليست كلاما من وسع في السياسة، والمفروض والواجب.. الانتخابات ليست كلاما لا رقيب عليه في الفضائيات، وبرامج التليفزيون، ولا هي مجرد ندوات في صالات شقق أحزاب منقطعة الجماهير.
وساوس "القوى الساقطة" ومشاعرها غير المبررة بالتهميش والاستبعاد، بعد المرحلة الأولى، ستكون وبالا عليها.. ستكون سببا إضافيا في مزيد من انفصالها عن الشارع، وتقوقعها، وانغلاقها على نفسها.. وعلى جماهيرها المحدودة، بمزيد من الانفصال عن الواقع.
قبل سنتين.. قالت نكتة إن مرشحا رئاسيا ضد السيسي وضد الجيش، وضد كل ما يمكن أن يكون ضده لمصحلة الناخبين، كانت المفاجأة أن نتيجة تصويت الناخبين جاءت مع السيسي، ومع الجيش، مع كل ما كان المرشح ضده.. فما كان من المرشح إياه إلا أن بدأ في التشكيك في الناخبين.
المال السياسي ليست نقيصة انتخابية، بدليل أن هناك من أنفق ببذخ، مالا سياسيا، على مال غير سياسي، على مال مشكوك في مصدره.. ولم يشم رائحة الفوز أيضا.. بدليل أن تحالفات كثيرة تراجعت، أسست بمال سياسي.. لو كانت فازت كان المال السياسي حلالا.. أما أنها سقطت من الدور العشرين، فهي تتكلم الآن عن المال السياسي.
سلام عليك مالا سياسيا.
ثالثا: افرض – وعلى سبيل الفرض فقط – أن الدولة تدعم فصيلا ما، فأين يا سيدي "التيار الشعبي" و"القوى الشعبية" و"التحالف الجماهيري"، ومسميات أخرى أوهمتنا أنها قامت من الجماهير، والحشود العريضة، وصدرت للإعلام أفكارا عن تنازع المواطنين تحت مقراتها على أولوية التصويت؛ دفعا لتدخل الدولة، وكرها في سياسات الرئاسة.. والرئيس "السيسي"؟
لماذا لم تشهد تلك التحالفات أي "تصويتات جماهيرية"؟
لو لم تكن تلك التحالفات قادرة على "مواجهة المؤسسة"، فهل يحق لها المطالبة بقيادة البرلمان، وتشكيل حكومة، تحاسب الرئيس، وتتكلم باسم الشعب.. وتقر وتلغي قرارات.. وتصدر قوانين.. وتصيغ تشريعات؟
المعركة الانتخابية صراع.. لا يحق لك العزوف عنها بحجة "شدة الصراع".. الانتخابات ليست كلاما من وسع في السياسة، والمفروض والواجب.. الانتخابات ليست كلاما لا رقيب عليه في الفضائيات، وبرامج التليفزيون، ولا هي مجرد ندوات في صالات شقق أحزاب منقطعة الجماهير.
وساوس "القوى الساقطة" ومشاعرها غير المبررة بالتهميش والاستبعاد، بعد المرحلة الأولى، ستكون وبالا عليها.. ستكون سببا إضافيا في مزيد من انفصالها عن الشارع، وتقوقعها، وانغلاقها على نفسها.. وعلى جماهيرها المحدودة، بمزيد من الانفصال عن الواقع.
قبل سنتين.. قالت نكتة إن مرشحا رئاسيا ضد السيسي وضد الجيش، وضد كل ما يمكن أن يكون ضده لمصحلة الناخبين، كانت المفاجأة أن نتيجة تصويت الناخبين جاءت مع السيسي، ومع الجيش، مع كل ما كان المرشح ضده.. فما كان من المرشح إياه إلا أن بدأ في التشكيك في الناخبين.
بدون ذكر أسماء اسم المرشح إياه: حمدين صباحي.
نكتة.. ونكبة أيضا!
Twitter: @wtoughan
wtoughan@hotmail.com