فناء الأمة

قل لي يا معروف الإسكافي، ما علاقتك بالزمن؟.. نعم بالزمن، هل تعرف أن الزمن هو نقطة متناهية في الصغر، نعم ملايين السنين التي مرت على الكون هي مجرد نقطة، هذه النقطة تتكون من ماض وحاضر ومستقبل، وكلها حدثت، الماضي حدث كما نعلم والحاضر يحدث إلا أننا لا نستطيع الإمساك به، والقادم أتى وحدث، ألم يقل الله سبحانه وتعالى: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه"، وأمر الله الذي أتى هو الزمن الذي لم تره بعد، ولكنه أتى، فالكون كله بين الخلق والأمر.

صاح معروف الإسكافي معترضا: ما معنى هذا الكلام العويص يا صاح؟!.. هل تريد أن تضع عراقيل أمامي حتى لا أستمع إليك؟
قلت له: نعم هو كذلك، أنا أتحدث معك بطريقة معقدة حتى تنفض يدك مني وتتركني لحالي، فلا أضطر إلى أن أحكي لك قصة غريبة حدثت لي.

ضرب معروف الإسكافي يدا بيد وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، سأضطر للاستماع منك إلى ما لا أريد ولا أفهم حتى أسمع منك بعدها ما أريد وما أفهم، قل لي يا مولانا كيف يكون الزمن نقطة؟.. وكيف يكون المستقبل قد أتى فعلا؟

قلت: اسمع يا سيدي، ألم يقل الله تعالى: "أتى أمر الله.."؟
رد: نعم
قلت: والكون كله بين الأمر والخلق.
رد: مش فاهم!
قلت: يا عم معروف ألم يقل الله "ألا له الخلق والأمر"؟
رد: نعم يا سيدي.

قلت: إذن الكون كله ما بين مخلوق ومأمور، فالله سبحانه خلق وأمر، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، فالروح مثلا من أمر الله، طبعا أظنك تعرف الآية الكريمة "قل الروح من أمر ربي"، بعض الناس يظن أن الله لم يرد على سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم عن الروح بإجابة يوضح لنا فيها ماهية الروح، ولكنه في الحقيقة شرحها لنا فقال "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي"، أي أن الروح تكونت طبيعتها بالأمر وليس بالخلق، أي أن الله أمرها فقال لها كوني فكانت، تماما كما أمر السماء والأرض فقال لهما "أئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين"، الروح كذلك قال الله لها كوني فكانت، وكذلك الزمن قال الله له كن فكان.

رد محتارا: وما دخل هذا الموضوع كله في القصة التي ستحكيها لي؟
قلت: أردت فقط أن أقول لك إن الزمن القادم حدث فعلا، فالله قال أتى أمر الله، وأمر الله هنا هو الزمن القادم، أي أن كل الأزمنة حدثت فعلا لذلك قال لنا الله "فلا تستعجلوه"، وما أردت أن أتحدث معك عن الزمن إلا لكي أقول لك إن الله فتح عليَّ، فرأيت أن أمة العرب أصبحت قبائل متفرقة متناحرة تحترف الرعي وكتابة الشعر، انتهت صيغة الدول التي عاشتها الأمة وعدنا إلى الآبار، ليست آبار بترول ولكن آبار الماء، ليبدأ العالم في كتابة فصل جديد من فصول التاريخ.