رئيس التحرير
عصام كامل

أنغام زايد ترمق «الكهل والضفيرة»

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

جلست أقلب في ذاكرتي كمن يقلب بين قنوات التلفاز، فتوقفت الصور التي تمر أمامي عند امرأة عجوز.

امرأة في عقدها الخامس بوجه مجعد وقامة قصيرة، ملامحها تدل على أنها كانت فائقة الجمال بالصغر.


كانت تجلس دائمًا على مقعد صغير أمام دكانها البسيط، تنظر للطريق وكأنها تستحلفه بأن يقود لها أحدهم.

كنت أذهب لأشتري منها الحلوى لأنها كانت تهبني معها أخرى بالمجان، أشير لها بأصابعي الصغيرة على علبة بأحد الرفوف بها حلوي،عند انتهائها تهديني علكة أمضغ بها مرارة الأيام.

وتمر الأيام وأصبح في العشرين من عمري وتظل هذه السيدة كما هي، وحيدة، لم تتزوج وتنجب أطفالًا يشاركونها رتابة هذا العالم.

ولكنها كانت مصابة بلعنة الحب، عانق قلبها قلب رجل من الصعب أن يتزوجها، بل كان شبه مستحيل.

ذات يوم كنت أقف بجوارها عندما مر أحدهم وألقى السلام ؛ تغيرت ملامحها فجأة وكأن أيام الصبا عادت من جديد ؛ فأيقنت بأن هذا العجوز الذي أفنت عمرها لأجله، كانت تنتظره كل صباح ليرمقها بنظرة وهو يتحجج بشراء بعض البضائع من دكانها ليتحدث معها، وبعد سنوات ماتت زوجة الرجل وتزوج بمحبوبته.

ضحكت يومها وحدثت نفسي
ما الذي سيجنيه هذان الكهلان من الزواج؟
ولكن ما آلمني حقًا هو هذا الموقف.

ذهبت إليها ذات يوم، وجدته يجلس على كرسيها المتهالك وهي تقف بداخل دكانها، كان صوت ضحكاتهما عاليا لدرجة تتيح لكل المارة سماعه، طلبت منها شيئا فحاولت جذبه من أحد الأرفف ولكنها فشلت، ضحك هو ونعتها بالقصيرة ووضع يده على عكازه ودخل وأحضر لي ما أريد.

يومها أيقنت بأن الحب هو نظرة ذلك الكهل لوجه زوجته المغطي بالتجاعيد وهو يراها وردة نضرة.
الحب ليس حمل المحبوبة بين أحضانك ؛ الحب هو أن تحملها بقلبك للسماء السابعة ولا تتركها لتسقط خيبة.
الحب ليس تشابك الأيدي فقط؛ الحب هو تشابك الأرواح.

الحب ليس الركض في الحدائق ؛ الحب هو وضع ذلك العجوز يده على عكازه وتحمله لألمه ليبحث في الصيدليات عن علاج لزوجته التي باتت ملازمة للفراش، التي فقدت النطق والحركة من شدة المرض.

الحب هو جلوسه بالقرب منها وهو يتلو عليها القرآن ويدعو لها بالشفاء كي لا يموت مرتين.
هذا هو الحب ياسادة
الحب هو ملخص هذه القصة. 
كهل أصيبت زوجته بالزهايمر؛ فجدل ضفائرها بعقد زواجهما.

وكلما سألته من أنت؟

يشير بيد إلى ضفائرها وهو يضع يده الأخرى على قلبه.

الجريدة الرسمية