رئيس التحرير
عصام كامل

البرلمان.. وقانون العائلات!


هل يعلم أحد كيف يتم اختيار النواب في الريف، حيث العصبية القبلية، وقوانين العائلات ما زالت تحكم؟! الأمر يبدو أشبه ما يكون بنظام الحكم في لبنان؛ حيث الطوائف؛ السنة، والشيعة، و"المسيحيون"، بمختلف مذاهبهم.. ولهذا يتم تقسيم المناصب التنفيذية والمقاعد البرلمانية فيما بينهم، حسب نفوذهم، وتعدادهم.


في ريف مصر، شمالا وجنوبا، هناك عدة عائلات، تقدر بالعشرات، تفرض هيمنتها، منذ العصر الملكي، حتى الآن، مرورا بثورة يوليو، وكل التداعيات والتقلبات التي شهدتها البلاد..لا يكاد يتغير شيء تقريبا، سوى صعود مفاجئ لعائلات جديدة، بحكم الثروات الطارئة، مثل "خبطة" تجارة ممنوعات، أو تكوين ثروات عن طريق دول النفط الخليجية، بطرق تشبه الأفلام الهندية.. ومع ذلك تبقى الكلمة العليا لاعتبارات "الحسب" و"النسب".. فلا يسمح بترشح أحد من خارج العائلات "الحاكمة"، التي يتخرج فيها وكلاء النيابة، وضباط الشرطة.. ويعين منها "العمد".. وأيضا يترشح منها "نواب البرلمان"، وإذا خلا المقعد لوفاة صاحبه، فهناك ابنه، أو أخوه، أو ابن عمه.. ويترك الفتات، مثل وظيفة "شيخ الخفراء" لعائلات أخرى أدنى شأنا، وأقصر همة، ومثل تلك الوظائف مسموح بتداولها بين العائلات..

ويمكن أن يبرز بين الحين والآخر، شبان من هنا وهناك، من هذه العائلة أو تلك، يتمكنون من كسر الحصار الأزلي، فيسلكون سبيل العلم، ويعملون بالطب، أو الهندسة، أو الإعلام، أو غيرها.. لكن تبقى الصعوبة في وظيفتي "وكيل النيابة"، و"ضابط الشرطة"، لما يمثلانه من نفوذ، وسلطة، وسطوة، وسيطرة، وهيمنة، وأبهة... إلخ.

في المدينة يبدو الأمر شديد الاختلاف.. فهناك أموال المخدرات والآثار، وغيرها.. يمكن أن تحقق المعجزات.

الغريب أن أهل الريف راضون بالواقع، على مرارته، والدولة، ممثلة في المحليات، تعلم بتفاصيل المشكلة المزمنة، ولا تسعى للحل.. حتى تجربة إلغاء "العمدية" في بعض القرى وإنشاء مركز للشرطة بدلا منها، لم يتم تعميمها.. والعائلات الحاكمة المتحكمة راضية مرضية بما هي عليه من "تكويش" على مقدرات الأمور.. وتبذل قصارى جهدها للإبقاء على كل مكتسباتها، حتى لو لم تكن تستحقها.

والأغرب أن أهالي القرى إذا لاح في الأفق بوادر تغيير للواقع فإنهم ينتفضون للتصدي لإرهاصات هذا التغيير.. ولهذا خرجوا عن بكرة أبيهم، وكسروا العزوف عن التصويت من أجل إنجاح المرشحين المنتمين للعائلات الحاكمة المتحكمة، فور شعورهم بأن هؤلاء المرشحين في خطر، وأن هناك من "الغرباء" من يهدد العروش المستقرة!

ولا نملك إلا أن نقول إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. وكلنا يملك من الطاقات والإمكانيات ما نستطيع به أن نغير التقاليد البالية، والموروثات المختلة، إن رغبنا.. أما أن نرضى بعيشة أشبه ما تكون بالعبودية، فهذا ما لا يقبل به إلا المرضى النفسيون!

وأخيرا، عزيزي القارئ، لك أن تعلم أنني من سكان القاهرة، ولا أعاني ضغوط ظاهرة "العائلات الحاكمة".
الجريدة الرسمية