التعليم في خطر!
الحكاية ليست الـ10 درجات مواظبة وسلوك التي أصدر بها وزير التعليم قرارا لتطبيقه على طلاب الثانوية العامة هذا العام، وهو يتصور أنه بذلك يصلح حال التعليم أو يعمل على تطويره، وليست في قرار التجميد أو الإلغاء بعد اعتراض الطلبة عليه، وليست في (هرتلة) وزير التعليم الذي خرج يقول لنا كلاما (مجعلصا).. (من أجل مصلحة الطلاب والعملية التعليمية أصدرنا هذا القرار.. ومن أجل الطلاب والمصلحة التعليمية تراجعنا عن هذا القرار!).. وليست في أن يصدر الوزير قرارا ثم بعد 20 يوما يخرج علينا رئيس الوزراء ويلغي القرار أو يجمده، كما يقول الوزير؛ حفظا لماء وجهه، ولو كنت مكان الوزير لاستقلت من الوزارة.
وليست في غياب التنسيق بين رئيس الوزراء وأعضاء وزارته فيما يخص القضايا التي تهم الرأي العام، وليست في استعداد المدارس أو الفصول لاستقبال الطلاب بانتظام؛ حتى يمكن تطبيق القرار، وليست في الطلبة الذين خرجوا للتظاهر ضد هذا القرار دون الحصول على إذن بالتظاهر، وهتفوا هتافات مسحت بالمسئولين الأرض، ولم يقبض على طالب واحد لمجرد التحقيق معه؛ ذرًا للرماد في العيون؛ حيث لدينا قانون ينظم عملية التظاهر!!
وليست في اعتبار التعليم حقل تجارب، وأبناؤنا فئران فيه على مدى أكثر من ثلاثة عقود (هاص) فيها وزراء التعليم السابقون حتى الوزير الحالي - سامحهم الله – في تدمير التعليم واختراع مليون عجلة لم تصلح واحدة منهم في النهوض بالتعليم أو البلد المسكين الذي نعيش فيه بين إلغاء السنة السادسة وعودتها، بعد أن خلفت لنا ما سمي بسنة الفراغ التي أربكت الدنيا والتعليم بلا فائدة تذكر، غير أنها فكرة (طقت) في رأس وزير تعليم فقرر تنفيذها، وبين فكرة تحسين المجموع في الثانوية، وبين امتحان الثانوية على مرحلتين، فأهلكت الغلابة وجعلتهم يتسولون نفقات التعليم، بالإضافة لحالة التوتر التي كانت وما زالت تعيشها الأسرة المصرية، ثم العودة إلى نظام السنة الواحدة، ثم اقتراحات عبقرية بمواجهة الدروس الخصوصية بفتح مراكز دروس خصوصية تحت إشراف الوزارة في أماكن غير المدارس.. يعني دروس خصوصية شيك (ودنك منين يا جحا)!
وليست في أن كل وزير يأتي الوزارة (يأكله لسانه) فيطلق تصريحات عنترية وبثقة عالية حول تطوير التعليم ومؤتمر قومي للتعليم وبناء مدارس وتعديل مناهج، وينسى أو يتعمد أن ينسى أن يقول كلمة واحدة عن رؤية للتعليم.. لأن الرؤية دائما غائبة أو (شيش بيش)!
الحكاية أصبحت أعمق وأكبر وأخطر، رغم أن شيئا واحدا مما سبق ذكره كفيل بأن يؤكد أننا في كارثة أو مصيبة كبرى وأن لدينا مدارس.. نعم، ولدينا معلمين يسدوا عين الشمس، ولدينا مناهج بالهبل، وتلاميذ وطلبة بالأكوام في الفصول، لكن ليس لدينا تعليم بالمرة للأسف الشديد، وليس لدينا منتج تعليمي يمكن أن يبني أمة تسعى للنهوض!
حكاية العشر درجات سلوك ومواظبة، كشفت بوضوح أننا لم نعد قادرين على التكيف مع الالتزام والانضباط، ولم يعد من بين أولوياتنا أن نسعى من أجل تعليم جيد، نعلم أنه الركيزة الأولى لتحسين الحياة ومعيشة الناس، وأن التعليم في مصر في خطر كبير!
الطلبة بمختلف مستوياتهم عبروا عن ذلك بوضوح وعفوية، وكشفوا عورات الوزارة والعملية التعليمية برمتها، وبدلا من أن ينتبه المسئولون لهذا الخطر الذي يدهس التعليم ويضربه في مقتل، اكتفوا بإلغاء القرار أو تجميده؛ خوفا من مظاهرات الطلبة، والأخطر في تقديري هو رد فعل أولياء الأمور، الذين شعروا بحالة ارتياح كبيرة عقب تجميد الحكومة لقرار الوزير، بما يعني أن أولياء الأمور لا يرغبون في ذهاب أبنائهم للمدارس، وأنهم قد فقدوا الثقة في تعليم المدارس وفي الوزارة كلها، وأنهم أيضا ضد فكرة عودة الالتزام والانضباط، وهذه هي الكارثة في مجتمع يسعى لأن ينهض على أسس جديدة؛ ليرسم ملامح دولة عصرية تأخذ بأسباب العلم وسيادة القانون.
رفض الطلبة للقرار وارتياح أولياء الأمور لتجميد القرار، وتعنت الوزير ثم الانصياع للضغط، وتراجع الحكومة.. كل هذا يكشف أن التعليم في مصر على أجهزة التنفس الصناعي، وربما آن الأوان لرفع هذه الأجهزة عنه، ودائما يبقى السؤال: لمصلحة من ما يحدث في التعليم؟
والله المستعان..