رئيس التحرير
عصام كامل

هل الشعب أقوى من الدولة؟!


معلوم لأي شخص سافر إلى دولة من الدول التي كانت تسمى اشتراكية (دول أوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي سابقا)، أنه كان يرى بوضوح أن الدولة أقوى من الشعب في كل شيء، فالدولة هي التي تعمل كل شيء للمواطن، وما على المواطن إلا السمع والطاعة.


الدولة تبني له المسكن على ذوقها والمرافق على ذوقها والمدارس والجامعات كما تريد، وكذلك الطرق وكل الخدمات، وعلى المواطن أن يعمل ويرضى، ولم يكن هناك متسولون أو ساكنو مقابر!!!.. ولكن كان هناك بشر يشعرون بالكبت والعبودية للدولة، ويريدون التمرد والخروج عليها، متخيلين أن الحرية أهم من الخبز وأهم من المسكن والأمان الذي كانوا يعيشون فيه، ولكن منعهم الخوف والبطش. 

فإذا كنت غاوي الرأسمالية وذهبت إلى أوربا الغربية وأمريكا، ستجد أن الدولة قوية والشعب قوي، ستجد أن الدول تملك الكثير وكذلك الشعب.. الدولة تبني وكذلك الأفراد، الدولة تؤمن المواصلات العامة والشعب يستمتع بالمواصلات الخاصة والتعليم الخاص، ولكن هناك قانونا واضحا يُفرض على الطرفين، فلا يمكن أن تجور الدولة على المواطن ولا يمكن أن يتعالى المواطن على الدولة أو يتحدى قوانينها.. ومن هنا كانت قوة وتقدم هذه الدول التي وفقت بين رغبات البشر وهدف ورؤية الدولة.

أما إذا كنت من قليلي الحظ مثلنا وتعيش في دول العالم الثالث، كما في مصر ومعظم الدول العربية والأفريقية، ستجد النموذج الثالث وهو الشعب أقوى من الدولة، وسترى بعينيك كيف يفرض الشعب إرادته على الدولة، سترى بعينيك أن الشعب أقام مساكن بلا شوارع ولا مرافق، وأخرج لسانه للدولة ليُجبرها على توصيل المرافق من مياه وكهرباء وصرف صحي له.

سترى بعينيك أن الشعب لا تعجبه فكرة المواصلات العامة لسوء خدمتها أحيانا، ولأنها لا تُناسب ثقافته المتعالية أحيانا، والنتيجة أن تختار الطريق الثالث يشتري كل مواطن سيارة ويمشي في الطريق كما يحلو له، وتمتلأ الشوارع بسيارات من كل الأنواع وتقف الدولة عاجزة عن تطبيق أبسط قواعد المرور.. ليس هذا فقط بل حتى الفلاح البسيط الذي يصفونه دائمًا بالمسكين، ينجب عشرة من الأبناء وتتركه الدولة بلا حل، فيبني على الأرض الزراعية وتعجز الدولة عن استرداد ما أتلفه.

كذلك تطلب الدولة من المزارعين عدم زراعة الأرز لقلة المياه، فيتحدون الدولة ويزرعون الأرز وبكثرة، وتعجز الدولة عن فرض هيبتها وتحصيل الغرامة، والحل في (القانون) الذي وضعناه بأيدينا لنراه يطبق على الجميع، ولكن أبدا لم نراه، وإذا رأيناه رأيناه يطبق على استحياء، وإذا طُبق كانت الاستثناءات هي القاعدة وهي الأساس!

يا سادة إذا أردتم الحل عليكم بترتيب دولة قوية تفرض رؤيتها ورسالتها وهيبتها وقانونها، وشعب قوي يعمل وينتج ويستمتع بحقوقه، ويُجبر على احترام القانون ولا بديل عن ذلك.. فهل يحدث؟
الجريدة الرسمية