رئيس التحرير
عصام كامل

ثورة الصمت والمقاطعة.. يعقبها الانفجار.. افهم يا رجل !!


لقد جاءت الانتخابات البرلمانية في مرحلتها الأولى وكما توقعنا إنذارا شديد اللهجة ورفضا من قبل الشعب المصرى لكل ما يحدث على أرض مصر، فالمقاطعة ليست فعلا سلبيا كما يعتقد البعض، وكما يتصور من يقبضون على زمام الأمور ويحاولون من خلال سيطرتهم على وسائل الإعلام تصدير هذه الفكرة للرأى العام، ومنهم من تطرف ووصف فعل المقاطعة ليس بالسلبية بل بعدم الوطنية والمؤامرة والخيانة لدى الأكثر تطرفا.


وهذا بالطبع يعبر عن خلط للأمور أحيانا، وعدم فهم أحيانا، وجهل في أحيانا أخرى، لكن بالطبع هناك من يحاول تزييف وعي الناس من خلال تصدير هذه الفكرة، في محاولة لاستدراجهم للوقوع في فخ المشاركة للتصويت العقابي أو التصويت للأسوأ وليس للأكثر سوءا كما حدث في الماضي القريب عندما كانت الخيارات المتاحة أمام الشعب المصرى هي خيارات بين أحد فلول مبارك (أحمد شفيق) وأحد أعضاء الجماعة الإرهابية (محمد مرسي)، واضطر المصريون للتصويت السيئ وليس للأسوأ كما اعتقدوا في لحظتها، وكان بعدها الندم وأصبح ذلك التصويت العقابي من عاصرى الليمون دليل إدانة لهم، وتأكد المصريون أن من قاطعوا ورفضوا المشاركة في المهزلة هم الذين على صواب، وبذلك ترسخت لديهم قناعة بأن المقاطعة فعلا إيجابيا وسلاحا يمكن استخدامه للتعبير عن رفضهم للواقع، بل هو ثورة صامتة على كل ما يحدث داخل مجتمعهم.

لقد خرج الشعب المصرى في 25 يناير واستمر ثائرا خلال فترة حكم المجلس العسكري وصولا إلى 30 يونيو، وهى أطول فترة ثار فيها الشعب المصرى في تاريخه، فالشعب المصرى تاريخيا غير معتاد على الخروج على حكامه مهما كانت ديكتاتوريتهم ومهما كان ظلمهم وبطشهم، المصرى غالبا لا يخرج إلا إذا شعر بأن حياته مهددة ومعيشته قد أصبحت غير محتملة، فتحت وطأة الفقر والعوز وعدم القدرة على توفير القوت اليومى والضرورى للحياة يضطر للخروج بشكل سريع وخاطف سرعان ما يعود بعدها للهدوء والصمت والاستقرار والصبر والتعايش والتكيف مع الظروف حين يتراجع الحاكم ولو مؤقتا عن سياسات الإفقار أو حين يتغير الحاكم ويأتى جديد فيصبر حتى يرى ماذا سيفعل.

لكن ما حدث من يناير وحتى يونيو فهو خروج متكرر لم يعتاده المصريون حيث ظلت جموع المواطنين لفترات طويلة بالشوارع والميادين في أكبر عملية اعتراض على السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تمس حياتهم وتؤثر على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وهى أطول فترة شهدت فوضى وعدم وجود أمن واستقرار داخل المجتمع المصرى.

وبما أن حالة الثورة هي حالة استثنائية في حياة الشعوب فسرعان ما سعى المصريين لمحاولة إعادة الاستقرار لمجتمعهم حيث قبلوا بالسير في طريق الشرعية الدستورية وليست الشرعية الثورية بعد 25 يناير فأنتجت ديكتاتورية الإرهاب، وقبلوا بنفس الشرعية الدستورية بعد 30 يونيو فتم إعادة إنتاج نظام مبارك الفاسد الذي قامت الثورة من الأصل عليه، ولأنهم لا يرغبون في العودة مرة أخرى للفوضى وغياب الأمن فقد قرروا أن يثوروا على هذا النظام الجديد القديم بطريقة مغايرة، وهى ثورة الصمت والمقاطعة.

لقد جاءت الانتخابات البرلمانية الراهنة ليجرب المصريون سلاحهم الجديد لعله يأتى بنتيجة فعلية يتم على أثرها تغيير السياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي قامت الثورة من أجل إحداثها في موجتيها الأولى في يناير 2011 والثانية في يونيو 2013، والتي رفعت شعارا واحدا وما زالت ترفعه حتى اللحظة وهو العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. فبعد 30 يونيو لم يجد الشعب أمامه بديلا لقائد الجيش كمنقذ ومخلص يمتلك القوة الوحيدة الرادعة على الأرض والقادرة على قمع كل العصابات التي سرقت ونهبت قوت الشعب وتتصارع على السلطة،

وبالفعل نجحت الإرادة الشعبية وجاءت بالرجل الذي تصدى بقوة للعصابة الإرهابية، لكنه وللأسف الشديد لم يتمكن من التصدى لعصابة مبارك، التي عادت لتسيطر من جديد على مقاليد الأمور في الاقتصاد والمجتمع والسياسة والإعلام، وجاء المشهد البرلمانى ليخرجوا جميعا من جحورهم ليجد المواطن المصرى نفسه وجها لوجه معهم فهل يضطر لأن يعترف بهم ويأتى بهم بنفسه ليضعهم على مقاعد التشريع والسلطة ليقوموا مرة أخرى بسرقته ونهب ثرواته وخيرات بلاده بالقانون وبإرادتهم ؟!

هنا كان الرد وهى المقاطعة وثورة الصمت التي سيعقبها حتما انفجار إن لم يفهم الرجل الرسالة ويتحرك فورا ويستجيب إلى مطالبهم المشروعة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والتي لا يمكن أن تتحقق إلا بالتصدى لعصابتى الإرهاب والفساد معا، فالإخوان ورجال مبارك وجهان لعملة واحدة، وأموال خيرت الشاطر وحسن مالك لا فرق بينها وبين أموال أحمد عز وباقى عصابة مبارك فكلهما مسروق ومنهوب من قوت الشعب وكلها يتم استخدامه لتدمير المجتمع المصرى، لعل تكون رسالة الشعب المصرى قد وصلت، ولعل الرجل يفهم قبل فوات الأوان، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية