رئيس التحرير
عصام كامل

فضيحة أديب ورانيا وحقيقة المعونة المصرية لبلجيكا!


قبل أن تقرأ هذه السطور فلا بد أولا من مطالعة مقال الأمس؛ لأنه جزء لا يتجزأ من الموضوع.. لكن أن يتم توظيف شبكات التواصل الاجتماعي للترويج لعودة الملكية شيء، وأن يتم توظيف الفضائيات المصرية أو العربية في ذلك شيء آخر.

أغلب شبكات التواصل مخترقة، ووحدات كاملة للإعلام الإلكتروني تعمل هناك من تل أبيب وعواصم أخرى.. وللإخوان شبكاتهم أيضا.. أما أن ينتقل ذلك إلى الفضائيات ويتم الترويج للفكرة نفسها سواء بحسن نية عند البعض، وبغياب الوعي عند البعض الآخر، فالأمر يحتاج إلى وقفة.. وهو للأمانة يستاهل وقفة في كل الأحوال.. فالأمر خطير جدا، أوضحنا ذلك كاملا في مقال الأمس..

الآن.. نعود للحلقة الفضيحة.. فعندما يتبادل عمرو أديب ورانيا بدوي الوصف التفصيلي لفيديو مجهول كل هدفه تبييض وجه العصر الملكي، ثم تسأله حرفيا "واستمر الحال ده لحد إمتى"، فيرد: لحد 52.. فترد وكأنها أوقعته في الإجابة، وكأنها اكتشفت سرا خطيرا جدا وتقول: "أيواااااااااا.." فنحن هنا أمام كارثة.. ولعل أطرف التعليقات - وكانت كثيرة جدا على مئات الصفحات - وأكثرها تأثيرها والأكثر اختصارا، كان من الإذاعية المرموقة بشبكة الشباب والرياضة الأستاذة فاطمة قنديل حين كتبت "كله دلوقتي عامل فيها إنجي بنت الباشا"!!

على كل حال.. ذكرنا أمس أن المستهدف هو ما قام به الجيش وليس جمال عبد الناصر، وقلنا إن السادات نفسه قبل رحيله بأيام أعاد التأكيد وجدد انتماءه لثورة يوليو، وأكد استمرار شرعيتها بل حتى مبارك أكد على الشيء نفسه رغم أنه سار عكس اتجاهها؛ لأنه يدرك أنها شرعية الجيش وما قام به بل شرعية النظام الجمهوري كله!

اليوم.. تعالوا نناقش قصة المعونة المصرية التي قدمناها لبلجيكا عام 1918، بما يوحي بأن مصر الدولة العظمى وقتها تمنح المعونات لدول أوربية!، ولأنه تلفيق مفضوح لا يليق بمن شاء القدر أن يصنع وعي الناس، أن يكون هو مسئول عن تزييفه.. فمن يعرض روعة الحياة في العهد الملكي في عدة شوارع في القاهرة والإسكندرية فقط، دون أن يتعرض لحال الشعب المصري المسكين الذي كان فريسة للفقر والجوع والمرض، محروما حتى من الدخول إلى المناطق الموجودة في الفيديو إلا للعمل في مهن متدنية، وفي بلد كانت الوجبة الغالبة عند أكثر من 75% من سكانه في الريف هي خبز "البتاو" الشهير مع البصل، مع حرمان كامل من الوظائف العليا وكأنهم غرباء في بلادهم.. بل غرباء بالفعل!

نقول: في عام 1914 أرادت ألمانيا غزو فرنسا، وكان ذلك يتطلب المرور ببلجيكا التي رفضت العبور الألماني، وهو ما أدى إلى غزوها بمعركة شهيرة بمدينة "لييج" البلجيكية.. ولأنها دفعت الثمن غاليا رغم أنها دولة استعمارية لها مستعمراتها الشهيرة في أفريقيا وغيرها، إلا أن حلفاءها أرادوا تعويضها ولو معنويا، فتعاطفوا معها وتبرعوا وأجبروا الدول التي يحتلونها بالتبرع ولو رمزيا!

في العام التالي للتبرع، ثار الشعب المصري نفسه في ثورة 1919، رافضا أوضاعه ورافضا الاحتلال الإنجليزي، وهو ما انتهى إلى دستور 23.. وكانت ثورة 19 مدنية لا علاقة للجيش بها، ولم تتخلف عنها مدينة أو قرية مصرية، بما يعني غضب المصريين بالكامل من أحوالهم، ولا يستقيم معه القول إن ملك مصر ذهب ليحل مشاكل بلجيكا والشعب البلجيكي!

المهم.. مرت السنوات ويتوصل قبل سنوات الدكتور أشرف صبري، وهو أحد الباحثين المحترمين في تاريخ الجيش المصري، إلى نص خطاب الشكر البلجيكي للدعم المصري الرمزي، لكنه أيضا يتوصل إلى أصل ديون بريطانيا لمصر، ويقول إنها كانت نظير خدمات بالإكراه قدمتها مصر لبريطانيا في الحرب العالمية ولم تسدد منها شيئا.. أي لم تكن نظير تصدير سلع أو بسبب تقدم حققناه على بريطانيا في كذبة تاريخية يرددونها باستمرار من أننا كنا قبل الثورة نقرض بريطانيا!!

إلا أن الأكثر إثارة، أن الدكتور أشرف صبري قدم ما يفيد باستشهاد 100 ألف مصري في حروب الدول الكبرى!!.. أيوة.. نكرر.. 100 ألف مصري!!.. الباحث الذي أبلغكم بالوثيقة البلجيكية، يبلغكم أيضا بكارثة أخرى.. لنا 100 ألف مصري ماتوا في أوربا بلا حتى تعويضات!.. لم يجدوا من يطالب بحقوقهم ولا حتى بعودة جثامينهم، لا الملك ولا غيره!!

100 ألف في بلد كان تعداد سكانه 12 مليون نسمة!!!.. أي ما يعادل 800 ألف شهيد بحسابات اليوم!.. ودفنوا هناك ومقابرهم موجودة!!.. ولكنهم يقلبون الدنيا على شهداء مصر في اليمن، الذين حرروا بلدا عربيا ووضعوا باب المندب في الأيدي المصرية، وكان عدد الشهداء - وهذه صدمة أو مفاجأة للكثيرين - وطبقا لشهادة تاريخية للفريق سعد الدين الشاذلي، في حوار شهير للجزيرة، كانوا ألف شهيد فقط وليس 10 آلاف كما قالوا!

في كل الأحوال.. كلهم شهداء مصريون أبرار.. عند ربهم يرزقون.. لكن.. لماذا نبكي على هؤلاء دائما دون الآخرين؟.. وأيهما أكثر إجراما أن نحارب بالسخرة في أوربا أم نحرر بالإرادة الحرة بلدا عربيا ونؤمن حدودنا البحرية البعيدة؟.. وإن كنتم ضد هذا وذاك.. فلماذا لا تتحدثون عن ذاك كما تتحدثون عن هذا؟.. أم أن في الأمور أمور؟

نعم في الأمور أمور، وربما كان لنا في الموضوع مقال ثالث!
الجريدة الرسمية