رئيس التحرير
عصام كامل

البرلمان والإخوان


نعم يا سيدي، نحن نعلم أننا لا نعيش في قرية منعزلة عن العالم، ولكننا دولة ذات تاريخ وحضارة، هذا كلام معاد لا جديد فيه، ونعلم أيضا أن بلادنا منذ أزمان تتعرض لمؤامرات لا يمكن إنكارها، فصراعات القوى في العالم لها موازينها وخططها، هذا صحيح، لذلك نحن لأسباب كثيرة أصبحنا في ذيل العالم، والذيل يمكن التلاعب به بسهولة، وأنت لا تستطيع أن تكون ذات قيمة في العالم إلا بمقدار ما تضيفه للحضارة الإنسانية، لذلك أخذت اليابان مكانتها في العالم، وكذلك ألمانيا، بعد أن كانتا رمادا عقب الحرب العالمية الثانية.


كلنا يعلم هذا، ونعلم أيضا ما أصبحت عليه الصين ثم ماليزيا وكوريا وإندونيسيا، ولن ندخل الآن في دروس التاريخ، ولكنني أردت فقط أن أتحدث عن مصر التي نتمنى أن تكون "قد الدنيا"، مصر هذه مرَّت بها لحظات فارقة، حكمها محمد علي وكان يدرك أنه لا يكفي أن يحصل على شرعية محلية لحكمه، ولكنه بحث عن شرعية دولية ونالها، وحكمها جمال عبد الناصر بعد حكم ملكي له شرعية، ونال عبد الناصر شرعية محلية، ولكنه بحث عن شرعية دولية ونالها، ثم حكمها الرئيس عدلي منصور بشرعية محلية خالصة، ووقفت الجماعة الإرهابية كأداة في يد أمريكا، على أمل أن يتم حجب الشرعية الدولية لحكم ثورة الثلاثين من يونيو، وقاومت مصر كلها تلك المحاولات، حتى استطعنا الحصول على شرعية دولية لا جدال فيها بعضوية مجلس الأمن المؤقتة..

كل هذا جيد ورائع، ولكن مخالب المؤامرة لا زالت تنهش في بلادنا، لذلك وقفنا كلنا مع خارطة الطريق، وتمت المرحلة الأولى وصدر الدستور المصري مع ما فيه من العيوب.

ثم أجريت انتخابات الرئاسة رغم انعدام المنافسة الحقيقية، والآن ينتظر العالم الانتخابات الحقيقية التي تتم فيها ترجمة إرادة الشعب في صورة برلمان يتحدث بلسانه، وغيلان الإخوان تنتظر هفوة أو شبهة لتصنع منها جبلا، وقانون الانتخابات للأسف الشديد يحتوي على عيوب كثيرة؛ لأنه بُني على الخوف!

قوانين الخوف دائما باطلة، ليس بالضرورة أن يكون البطلان قانونيا، ولكن الأنكى والأشد هو "بطلان الرؤية" التي صنعت القانون، وأظن أن هذا الأمر يحتاج شرحا مبسطا، ولذلك سأتحدث عن بديهيات يعلمها رجال القانون، فبحر القانون الواسع الذي يبدو في اتساعه كأنه بلا نهاية، يسبح فيه أصناف مختلفة من المتخصصين، فهناك من وهبه الله القدرة على شرح القواعد القانونية، وهناك الذي يملك القدرة على تطبيق القانون على الواقع، لذلك تجد المحامي وأستاذ القانون والقاضي، كل واحد منهم لديه قدرة ما قد لا تتوافر لغيره.

وهناك مهمة أخرى أخالها أشد صعوبة من الأخريات هي "صناعة التشريع"، وهي صناعة لها أهل الاختصاص، وقد لا يصلح أستاذ القانون الجامعي لصناعة تشريع وإنما يصلح لشرحه، وقد لا يصلح القاضي في صناعة التشريع، ولكنه بالضرورة سينجح في تطبيقه، وأظن أن من صنع قانون الانتخابات قد لا يصلح لأي شيء في القانون إلا صناعته!

فالمشرع لا يُصدر القوانين إلا تلبية لضرورة تستلزمه، كما أن القانون لا يصدر إلا بعد دراسة الواقع الذي سيتم فيه تطبيق هذا القانون، والمشرع الذي صنع قانون الانتخابات كان لديه هواجس تؤرقه من تسلل الإخوان إلى البرلمان، فكان أن صنع قانونا يسمح بتسلل الإخوان والسلفيين للبرلمان وبكثافة، وإنا لمنتظرون..
الجريدة الرسمية