كلمتي للإخوان
للأسف، يسير الإخوان في طريق لا نهاية له.. يبحرون في بحر عميق لا شاطئ له.. والمشكلة أنهم لا يدركون ذلك، إذ كلما قطعوا شوطًا، ظنوا أنهم اقتربوا من الهدف، وأنه لم يبق إلا القليل.. تمامًا كالسائر في صحراء مترامية، يرى على البعد شجرة، فيغدو السير إليها، وكلما ظن أنه أوشك على الاقتراب منها اكتشف أنها ابتعدت عنه وأنه لم يتقدم خطوة واحدة.. وإذا أدرك بعضهم حقيقة الوضع، وأن الجماعة سائرة لا محالة في طريق الندامة، أخفى ذلك في نفسه وآثر الصمت مخافة أن يتهمه المزايدون بأن هناك من "لعب" في رأسه، أو أثر فيه، أو أنه يريد ترك الجهاد لعدم استطاعته تحمل أعباء الطريق.. إلخ.
وإذا فكر يومًا أن يهجر الجماعة، خشى أن يلحق بمن يصفونهم بـ"المتساقطين على طريق الدعوة"، أو بأن خللا ما أصاب إيمانه، فيوضع ضمن من يوصفون بخبث الدعوة، والدعوة كما يزعمون "تنفي عن نفسها خبثها"، أو يتهم بأنه باع القضية في سبيل مصلحة خاصة أو خوفًا من فقدان وظيفة أو ربما هربًا من التعرض لأذى..
لذا فالوضع فعلا يحتاج إلى شجاعة وإقدام وعدم تردد، بل عدم التفات لما يمكن أن يقال.. فليس من المروءة والشهامة والرجولة أن ترى خطأ واضحًا في فكر أو فهم أو ممارسة ثم تتغاضى أو تغض الطرف عنه، أو تنشغل عنه بغيره، أو ترجئه إلى حين، أو تتركه عملا بقول القائل "الزمن جزء من العلاج".. لكن المأساة تقع عندما يبحث الإنسان عن تبرير لهذا الخطأ، ربما لإثبات ولائه لجماعته، أو لكسب ثقة قياداته، أو لنيل موقع تتوق إليه نفسه.. وكل هذه أخطاء بل خطايا، نتائجها مأساوية وأحيانًا كارثية..
لكن الذين يعيشون مع الله، لا يهمهم شيئًا من ذلك كله؛ لأنهم وضعوا الله تعالى نصب أعينهم دائمًا.. هم يقدمون خالص جهدهم ووقتهم لدينهم ووطنهم وأمتهم، في أي موقع كان، سواء في جماعة أو منفردين.. لا ينتظرون تقريظا من أحد، ولا يلقون بالًا لقدح يأتيهم من أحد.. هم يرجون رحمة الله ويخشون عذابه.. كل همهم أن ينالوا رضاه.. أن يحققوا معنى العبودية له سبحانه في أقوالهم وأفعالهم، بحيث لا يختلف ظاهرهم عن باطنهم.. يقولون كلمتهم التي يعتقدون أنها الصواب، ويتخذون الموقف الذي يرون أنه الحق، ويتحملون في سبيله كل أنواع الأذى.. ثم، هم لا يصدرون في مواقفهم عن شجاعة أو بسالة أو بطولة يتباهون بها أمام الخلق.. لا يصيبهم غرور أو كبر أو تعال، لكنهم يفعلون ذلك تذللا وخضوعا لخالقهم ومولاهم الذي وفقهم وأعانهم وأمدهم بقوة ومدد من عنده.. وهكذا الأتقياء الأخفياء، جعلنا الله تعالى منهم..
في أي تشكيل أو جماعة سوف تجد ثلاثة فرق، فريقًا يمثل العقل والحكمة وهو قليل وصوته لا يكاد يسمع، وفريقًا ثانيا يمثل المتحمسين والمتعصبين للجماعة وأفكارها وسياساتها، بعلم أو بغير علم، وهو أكبر عدد من الفريق الأول وأعلى منه صوتا، وفريقًا ثالثًا يمثل أصحاب المصالح من المنتفعين و"الأرزقية" وهو الأكثرية والأعلى صوتًا وصخبا وضجيجًا.. وبديهى أن أتوجه بكلماتي تلك إلى الفريق الأول، الذي أرجو الله تعالى أن يشرح صدر أفراده ويهديهم لما فيه خيرهم وخير وطنهم وأمتهم، لعلى أجد لديهم آذانًا صاغية وقلوبًا واعية، تفهم ما أقول وتستوعب ما أرمى إليه، ويكون لديها استعداد للتفاعل معه..
غير أننى لا أفقد الأمل في أي شخص آخر، حتى وإن كان من الفريقين الثانى أو الثالث، فرحمة الله واسعة، وفضله يؤتيه من يشاء من عباده "وربك يخلق ما يشاء ويختار".. ورب إنسان مليء بالنقائص والعيوب ولا يرجى منه خير، يفتح الله عليه فتوح العارفين، فيكون من أقرب العباد إليه.. "والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء".. أتوجه إلى الله تعالى بالدعاء، راجيًا وضارعًا ومحبًا، أن يغفر لى خطاياى وأن يتجاوز عن سيئاتى وأن يجعلنى سببًا للهداية، أو وسيلة لتصويب خطأ، أو أداة لتصحيح مفهوم.. وأن يتقبل منى ويقبلنى في عباده الصالحين.. اللهم أمين، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.