حقيقة الدور المصري في سوريا
كلما كان الدور المصري في المنطقة أكثر فعالية وديناميكية، تراجع التشدد، والعنف، والتطرف، والإرهاب.. حقيقة لا يمكن إنكارها، أو التغافل عنها.
موقف مصر ثابت من القضايا العربية، لم تخذل الفلسطينيين، لم تتخلَ عن مساندة العراقيين، ودعم اليمنيين، ومساعدة الأشقاء الليبيين، وتأييد الأخوة السوريين.
ربما تتقافز إلى الذهن أسئلة مشروعة: وأين مصر مما يحدث في سوريا؟، وفي أي صف تقف؟، ومَنْ تؤيد من أطراف الصراع؟.. قد يكون دور القاهرة في دمشق غير واضح، ربما لضبابية المشهد الحالي بأكمله، أو لعدم إفصاح القيادة المصرية عن موقفها صراحة، لكن لا أحد ينكر هذا الدور.
مصر قلبًا وقالبًا مع الشعب السوري، الذي له الحق في تقرير مصيره.. القاهرة لا تؤيد بشار الأسد، ولا أي حاكم سوري، قدر تأييدها للشرعية السورية.. الإدارة المصرية تتواصل مع جميع أطراف الأزمة.. مصر ضد المعارضة المأجورة، وضد التنظيمات الإرهابية، والمليشيات المسلحة في سوريا.. مصر مع المعارضة المعتدلة التي توافق على «الحل السياسي»، وتُعلي الوطن فوق أي مكاسب.. اللاجئون السوريون ذابوا في الشعب المصري.. التحركات الدبلوماسية، والمساعدات الاستخباراتية والمعلوماتية والإنسانية لم تنقطع من مصر إلى سوريا.
من المستبعد رسم المستقبل السوري دون أن تضع مصر لمساتها.. سوريا حائط صد «شرقي» للقاهرة.. أمن مصر القومي يمر عبر دمشق.. الجيش الأول لمصر في سوريا.. كانت هناك «وحدة» قائمة بين البلدين.. أي عبث في الأراضي السورية تحصد مصر نتائجه السلبية، وآثاره الجانبية، ولو بعد حين.. الإدارة المصرية لن تنزلق في خطوة غير مأمونة العواقب، خاصة بعد التأجيل المتكرر لتشكيل «القوة العربية المشتركة».
حصول مصر على العضوية غير الدائمة لمجلس الأمن، بجانب توليها رئاسة القمة العربية، وتواصلها مع جميع الأطراف، بالإضافة إلى ما تتمتع به من ثقل تاريخي، ومكانة إقليمية ودولية يُمكنها من القيام بدور محوري في التوصل لتسوية سياسية للصراع الدائر في سوريا.. هذا ما أكده المبعوث الأممي الخاص بسوريا «ستيفان دي ميستورا» للرئيس عبد الفتاح السيسي.
المواقف المصرية من الأزمة السورية ثابتة، لم تتغير منذ اشتعال الصراع في البلد العربي الشقيق.. القاهرة تركز وتهتم بالتوصل إلى «تسوية سياسية» للأزمة، تسوية تتضمن القضاء على التنظيمات الإرهابية والفصائل المسلحة، وإعادة إعمار ما خلّفه الصراع من دمار.. تسوية تضمن الحفاظ على وحدة التراب السوري.. تسوية تسمح بعودة اللاجئين إلى وطنهم والاستقرار فيه.. تسوية تحافظ على مؤسسات الدولة، بعيدًا عن حسم الموقف عسكريًا.
الإدارة المصرية تدرك أن الشعب السوري يتحمل بمفرده عواقب الصراع والحرب الأهلية الدائرة على أرضه، كما تدرك أن إطالة أمد الصراع في البلد العربي الشقيق يزيد من معاناة السوريين.. من هنا كان التحرك المصري على كل المستويات؛ لإنهاء هذه الأزمة، التي تنكوي بنيرانها الدول المحيطة، ومن غير المستبعد أن تمتد تداعياتها الخطيرة على مختلف دول العالم.
الحديث عن احتمالية مشاركة مصر بقوات ومعدات عسكرية في سوريا «غير وارد»، على الأقل حتى الآن.. أعتقد أن مصر لن تغامر بإرسال جنودها للحرب في الأراضي السورية، كما فعل «مبارك» في حرب تحرير الكويت من قبضة «صدام».. لا وجه للمقارنة.. الوضع هنا مختلف.. «السيسي» قبل أن يكون رئيسًا لمصر، كان رجلًا مخابراتيًا، ولن يقع في خطأ «مرسي» الذي تورط في إعلان قطع العلاقات مع النظام السوري، وإغلاق السفارة السورية في القاهرة، وسحب القائم بالأعمال المصري من دمشق، قبل أسابيع من «ثورة 30 يونيو» التي أطاحت به.
سوريا الآن باتت مسرحًا مفتوحًا للمليشيات المسلحة، والجماعات الإرهابية المتطرفة.. إيران تقاتل في سوريا بـ«حزب الله والحرس الثوري»؛ من أجل تحقيق أطماعها الاستعمارية في المنطقة.. روسيا تحمي «الأسد»، ليس حبًا فيه، وإنما لحماية مصالحها.. أمريكا وتركيا تريدان نصيبًا من الصفقة.
في النهاية، يبقى التأكيد على أن فعالية الدور المصري في سوريا لن تتم بمعزل عن الأشقاء العرب، خاصة في المملكة العربية السعودية، فرغم اتفاق القاهرة والرياض حول خطورة الأطماع الاستعمارية لإيران، ومخططات الجماعات والتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها الإخوان، إلا أن هناك اختلافا في وجهات النظر بينها حول طريقة «الحل في سوريا».. مصر تذهب إلى حل «سياسي»، والرياض لم تتحمس - حتى الآن - لرؤية القاهرة.