رئيس التحرير
عصام كامل

مهازل انتخابية.. حتى لا ننسى


في العهد البائد كانت نتيجة الانتخابات، والاستفتاءات، كلها بلا استثناء، معروفة مسبقًا.. 99%.. كانت كذلك في عهدي عبدالناصر والسادات، اللهم إلا في مرة واحدة، حدثت أيام كان المرحوم ممدوح سالم وزيرا للداخلية في السبعينيات من القرن الماضي.

ورث مبارك هذا التقليد الغريب؛ أن تسفر أي انتخابات عن فوز ساحق.. ماحق.. للحزب الحاكم، ولشخص الحاكم.. حتى لو اضطرت الحكومة وأذرعها التنفيذية والسياسية للتدخل، بالتزوير الفاحش.. ثارت المعارضة، وصحفها آنذاك "الوفد.. الأحرار.. الأهالي" ضد فضائح التزوير، والتلاعب.. وكأنها كانت تؤذن في مالطة.

الدموية، كانت مشهدًا مؤلمًا عايشناه أيام مبارك، سقط في انتخابات 2005 وحدها نحو 9 قتلى، على أيدي البلطجية الذين كان يستخدمهم المرشحون، غالبا المنتمون للحزب الوطني.. وفي انتخابات 1997 التي أجريت لانتخاب برلمان جديد بعد أن تم حل القديم بقرار من الرئيس الأسبق، وفي دائرة نجع حمادي، التي أسميت بعدها دائرة "الدم والنار"، سقط نجل الإذاعي الكبير فهمي عمر، وابن شقيقه، أحدهما كان طبيبا، والآخر وكيل نيابة، برصاص أنصار مرشح منافس؛ ما دفع فهمي عمر لاعتزال السياسة تمامًا.. كما أقدم بلطجية مأجورون من مرشح بدائرة مدينة الجيزة على ذبح ابن شقيق مرشح منافس لتمسكه بالصناديق، ورفضه محاولات التزوير التي استهدفت إسقاط عمه.. وغطت دماء الشاب الصناديق.

أذكر أن التزوير كان يتم "عيني عينك".. الصورة كانت فاضحة، والمشهد مشين.. دون أن يرمش جفن للنظام ورءوسه.. نشرت "المصري اليوم" صورة لرجل من أعوان الحزب، الذي كان حاكما، وهو منهمك في تسويد البطاقات بكلتا يديه!!!

واشتهرت لعبة "البطاقة الدوارة"، وعمليات التصويت الجماعي، والتسويد.. و"شحن" الناخبين بالآلاف، ودفعهم لتأييد مرشح بعينه، تريده السلطة الحاكمة.

أما أسوأ المشاهد والتصرفات، فكانت الإساءة للقضاة المشرفين على اللجان، وإهانة بعضهم، والاعتداء عليهم، وربما إصابتهم بكسور وجروح، واحتجازهم أحيانا، حتى تنتهي عمليات التسويد.. وكان موقف نادي القضاة قاصرًا على الكلام، والتنديد، والإدانة، والشجب.. وطبعا وجدها قضاة الإخوان فرصة تاريخية لانتقاد النظام، والتشهير به.. وبرز منهم الإخوان مكي.. وهشام البسطاويسي.

وعندما أعيا الجهد قيادات الحزب الحاكم، واشتدت المعارضة من النقابات المهنية، سيما "الصحفيين" و"المحامين"، لمساندة ودعم القضاة.. واحتشد الجميع في نادي القضاة في انعقاد مستمر.. خرج "يوسف بطرس غالي" ليحرض أحمد عز على إلغاء الإشراف القضائي، قائلا: "إحنا اللي حضرنا العفريت، وإحنا اللي هانصرفه".. في ألفاظ بذيئة، ولغة سوقية شديدة الانحطاط لا تليق لا برمز وقيادة في الدولة، وحديث مسيء للسلطة القضائية، ومصر بأكملها.. وكان له ما أراد، وتم تنفيذ الوعيد في انتخابات 2010 التي أدارها وأشرف عليها من الألف إلى الياء، القزم المعجزة أحمد عز، وفرض الإشراف من موظفين بالجهاز الإداري والمحليات.. ورشح شخصيات عجيبة، منها متهمة بالدعارة، سمت نفسها "الشيخة...."، وهجرت دائرتها الأصلية، وترشحت في جنوب الصعيد، واقتنع أساطين الوطني بجدارتها، وكادت تنجح.

كانت مهزلة سارت بها الركبان.. وحقق الحزب الوطني نتيجة عجيبة، لم تحدث منذ خلق الله الأرض ومن عليها: 100 % تقريبا.. وصارت أزمة.. فكيف يكون البرلمان كله من حزب واحد، وبعض المستقلين الذين ينتمون أصلا للوطني؟!

أسقط في يد الجميع.. وحاروا ماذا يفعلون في معضلة غياب المعارضين من مجلس الشعب.. كان الحدث الأول من نوعه.. حدث في مصر، ولم يحدث حتى في بلاد الواق واق.. حتى في أعتى الديكتاتوريات يكون هناك تمثيل نسبي للمعارضة، لو مجرد "ديكور" في برلمان مكون من تجار أراضي الدولة، وتجار مخدرات وآثار.. ومرتشين وفسدة.. وداعرين.. ونواب الكيف.. ونواب "سميحة".. ونواب القمار.. ووزراء في الحكومة.

ولإنقاذ ماء الوجه، وفي محاولة مستميتة لتجميل الصورة.. لجأ "عز" ومستشاروه إلى تصرف غاية في الغرابة.. أرسلوا لأمين عام الحزب الوطني بإحدى محافظات الدلتا، عشية انتخابات الإعادة، وكان يخوضها ضد مرشح آخر لنفس الحزب.. (كان عز قد ابتكر افتكاسة ترشيح أكثر من ممثل للوطني في نفس الدائرة)، طالبين منه الاستقالة من الوطني، والانضمام لحزب آخر ليكون للمعارضة حتى لو نائب؛ ذرا للرماد في العيون!!!

فوجئ الرجل بمن يطرق بابه ليلا، ويطلب منه كتابة استقالة من الحزب الحاكم، وطلبًا بالانضمام لحزب معارض، للترشح في الصباح تحت رايته.. تساءل في دهشة: "كيف يحدث هذا وأنا أمين المحافظة، وطول عمري حزب وطني؟!".. "مستحيل أعمل كده".. وصفعته إجابة لم يتصور يوما حدوثها: "عموما.. إحنا عملنا كل حاجة.. والحزب قبل استقالتك.. وحزب "....." وافق على ضمك لصفوفه.. واستخرج لك الكارنيه.. وبكرة الصبح هاتبقى النائب بتاع الدائرة.. وممثلا للحزب المعارض!

انصاع الرجل للأوامر.. وانصاعت مصر كلها لأوامر "الوريث"، الذي وصفه "عز" يوما بأنه "مفجر مصر الحديثة".. ولكن لم يطل الانتظار طويلا.. وقامت ثورتان.. والمصيبة أن كثيرًا من الوجوه الكالحة "إياها" عادت.. لهذا، وأسباب أخرى، كان العزوف.
الجريدة الرسمية