رئيس التحرير
عصام كامل

انتخابات «أونطة» هاتوا فلوسنا!!


في أكثر من مقال سابق تحدثنا عن الأحزاب الورقية، وتدهور وضع الأحزاب القديمة، مثل الوفد والتجمع، ولم يصدقنا عندما قلنا إن الشعب لا يهمه وجود مجلس نواب من عدمه، وجاءت الانتخابات في المرحلة الأولى تؤكد ما سبق أن نبهنا إليه، الأحزاب لا قواعد لها القديمة أو الجديدة، التحالفات التي قامت من أجل إخفاء العيوب والضعف في الأحزاب، وطبيعي هذا جمع بين الشامي والمغربي، أي من كل الأطياف خاصة القديمة أعضاء الحزب الوطني ورجال الأعمال رجال عصر مبارك مع المنافقين، وأصبح هناك تحالفات "سمك.. لبن.. تمر هندي"!!


سأذكر هنا أكثر من مثال للتعرف أكثر على الصورة والرؤية التي تنتشر بلا ضوضاء في مجتمعنا، الشريحة التي سافرت وعاشت عشرات السنين في الخليج أو حتى الدول الأوربية.. هل فكر أحد عندما يعود هذا المصري بعد عشرات سنين الغربة ماذا يحمل داخل عقله؟.. تخيلوا معي مواطن سافر وكان الجنيه يشتري مائة ساندوتش فول أو طعمية، وعندما عاد أصبح الجنيه لا يشتري ولا ساندوتش واحد؟

تخيلوا سافر وكان كيلو اللحمة بجنيه فعاد وجدها بثمانين جنيها؟.. هذه أمور قد نتحاور حولها، ولكن ماذا عن الطفل الذي ولد وتربى في الخليج، وعاد شابا ورجلا فتيا ماذا يحمل في تكوينه؟!

في الأسبوع الماضي، زرت صديقا أمضى أكثر من ثلاثين عاما في الخليج، وزوج ابنته لابن أحد المصريين، كانا معا في الخليج، شاهدت في مدخل العمارة الجبارة مساحات شاسعة وعلى أعلى مستوى من التشطيب سوبر سوبر لوكس، فحملت لصديقي فكرة مفيدة ولن تكلفهم شيئا، عمل ورشة ثقافية للكبار ندوات، وللأطفال ورش في كل فروع الإبداع رسم وإشغال وشعر وموسيقى وخط.. إلخ، ضحك صديقي وقال: "لا لا الأمور دي لا يهتم بها أحد هنا، في كل شقة عربية واتنين وتلاتة والناس لا يشغلهم سوى القفز في العربية للنادي والعودة للاستعداد للخروج لمكان آخر، هؤلاء لا يعمل أهاليهم واعتمدوا على ما جمعوه في عشرات السنين، ولا هم لهم سوى الحياة بهذا الشكل، الأبناء لا علاقة لهم بالانتماء إلى مصر، الأهل لا حديث إلا عن سعر الدولار وارتفاع الأسعار، أما بناء الإنسان أو زرع الانتماء فلا يوجد في عقل أو خيال هؤلاء".

مخطئ من يعتقد أن هؤلاء شريحة صغيرة، فإذا كان معظم المجتمعات الجديدة في الرحاب ومدينتي والشيخ زايد والمعادي وبعض مناطق في مدينة نصر وغيرها، فإنها هناك في ريف وصعيد مصر أيضا مناطق كاملة انفصلت عضويا عن مصر، في كل قرى مصر ستجد عزبة صدام نسبة إلى صدام حسين وبناها من ذهب للعراق، نحن تركنا أبناءنا يسافرون، لم نخطط للاستفادة منهم، ولم نرسخ الانتماء فيهم ولا في أولادهم، هؤلاء جزء ساقط من رصيد الوطن، اللهم لحظة الخطر.

من أسباب عدم الإقبال أيضا، جاء على لسان الفنان أحمد آدم، الذي يرى أن ضعف إقبال المصريين على التصويت في الانتخابات البرلمانية، مفاده أن المواطنين يريدون إرسال رسالة إلى السياسيين بأن البرلمان القادم لن يقدم شيئا، والشعب كان يهمه اختيار الرئيس واختاره بالفعل، فالشعب بيقول للسياسيين: "والمصحف الشريف مش عايزين مجلس شعب"؛ لكي تعترف الأحزاب بأنها فشلت، وأن المصريين عاشوا على مدى عام في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي دون مشاكل ودون مهازل البرلمان السابق، الذي حدث فيه أن ضرب البرلمانيون بعضهم البعض.

ورأي آخر للقضاة، وعلى لسان المستشار عبد الله فتحي، أن الشعب لم يجد في معظم المرشحين والسياسيين ضالته على المستوى الخدمي والسياسي، بل يفتقدون الصفتين، فلا هم رجال خدمة ولا رجال سياسة، كما أن الإعلام لا يقم بدوره في توعية الناخبين بأهمية الانتخابات وطرق التصويت بالشكل المناسب، ويعطي الأولوية لقضايا أقل أهمية.

نصل إلى النقطة المهمة، أن البعد عن المشاركة في الانتخابات أمر متوقع، وأسبابه كثيرة، لا بد من أن نتعلم منها وندرسها مرات ومرات؛ حتى نعيد حساباتنا ونبدأ طريق الألف ميل "بخطوة صح"!!
الجريدة الرسمية