الديمقراطية لها أنياب!
تصاعد جدل في بريطانيا، اليومين دول، حول مقترحات حكومية بتقنين استخدام مواقع التواصل الاجتماعى في الإضرابات العمالية.
في الشارع الانجليزى رأيان، واحد ضعيف وآخر قوى. الأول يرى أن الحق في الإضراب ثابت، متى شاء العمال، ومتى شاءت النقابات وبأى طريقة كانت، مواقع تواصل، لافتات على حوائط المصانع، كيفما شاءوا. بينما يرى رأي آخر، أقوى، أن استخدام مواقع التواصل بعشوائية وبلا ضوابط قانونية ولا اجتماعية،لا هو حرية، ولا يمكن قبوله.
مواقع التواصل سلاح خطير، ولأنه كذلك، يجب أن توضع في إطار قانونى، وتنظيمى.. لأن العشوائية "خراب بيوت".. وخراب دول أيضا.
بريطانيا وفرنسا من أوائل الدول الأوربية التي ظهرت فيها مطالبات حكومية بتقنين استخدام مواقع التواصل "فيس بوك" و"تويتر" في العمل العام.
الأسبوع الماضى، أعلنت أغلبية في مجلس العموم، وقوفها في صف وزير النقابات العمالية "نيك بوس". يرى نيك بوس من جانبه، أنه إذا كان الإضراب حق طبيعى للعامل، فإن معرفة وقت الإضراب، وميعاده، إضافة إلى معرفة قواعد استخدام مواقع التواصل في الترويج للإضراب، هو أيضا حق للمواطن الإنجليزي الذي يستفيد من الخدمات التي يقدمها العامل..وتتحكم فيها نقابات العمال.
ما المُقلق في استخدام مواقع التواصل؟
تحولت مواقع التواصل، من مواقع للدردشة والتعبير عن الذات، إلى مراكز قوة، ووسائل انتشار لا سيطرة لأحد عليها..فلا قانون.. ولا عاصم من إساءة استخدامها، أو توجيهها فيما يضر البلاد.
شرائح كبرى في المجتمع الإنجليزى، تبينت أن إهمال وسائل التواصل بحجة "الحريات" يهدد الأمن الداخلى. وعندما يأتى الكلام عن أمن المجتمع.. فلا حديث عن الحريات الشخصية..و لا اعتداد بكلام مزوق عن حقوق الأفراد.
وزير النقابات العمالية قال شيئا بهذا المعنى منذ شهور، تونى بلير، رئيس الوزراء السابق قال نفس الكلام منذ سنوات، وديفيد كاميرون، رئيس الوزراء الحالى قال كلاما مشابها أيضا.. ومعهم حق.
لكن لما تقدمت الحكومة، بمقترح تعديلات على قانون النقابات العمالية، والإضرابات، أشعل العمال جدلا، ودخلوا معركة وتلاسنات، وحروبا كلامية مع الحكومة.. لكن الشارع الإنجليزى كما يبدو الآن، لم يعد يقبل ما يسمى بالحريات المطلقة..عمال على بطال. لا يقبل الآن إلا قواعد قانونية لاستخدام تكتلات العمال مواقع التواصل في الإضرابات.. وفى السياسة.
التعديلات المقترحة نصت على ألا تبدأ حملات الترويج للإضرابات على مواقع التواصل، إلا بموافقة 50% من أعضاء النقابات على الأقل.. وقبل أسبوعين من بدء الإضراب.
هذا هو الشرط الأهم.
فموافقة 50% من أعضاء النقابة، يعنى سد فرصة التلاعب من أقليات في إثارة الفوضى باسم المجموع، ويقف أمام رغبة مجموعات"غير خالصة النية" في إثارة القلاقل باسم العمال.. وباسم الحريات.
في إنجلترا متحضرون.. وديمقراطيون.. لكن للحضارة حدود.. والديمقراطية لها أنياب أيضا.
Twitter: @wtoughan
wtoughan@hotmail.com