رئيس التحرير
عصام كامل

بثينة شعبان تكشف السر وراء الحرب الكونية على سورية!


لقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بعد نكسة 1967 بمحاولات مستميتة لحفظ أمن واستقرار إسرائيل، وتأمين وجودها بأى شكل عن طريق مفاوضات سلام مع العرب، ومحاولة إنهاء حالة الصراع والحرب بأى شكل، ولم يكن هناك شخص يمكن مفاوضاته على الساحة العربية غير القائد والزعيم جمال عبد الناصر، خاصة وأنه قائد مهزوم واعتقدوا أنه يمكنهم استغلال حالة الهزيمة للضغط عليه للدخول معه في مفاوضات سلام تعود بها إسرائيل لحدود 4 يونيو 1967، لكنه كان قائدا عنيدا حيث قرر إعادة ترميم وبناء الجيش والدخول فورا في حرب الاستنزاف، وأعلن في مؤتمر الخرطوم بعد أيام قليلة من الهزيمة صيحته المدوية "لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف"، وأكد أن إسرائيل هي العدو "ولن نتفاوض مع الصهاينة ولن نتنازل عن حقوق الشعب العربي في فلسطين" وأكد أنه "إذا فرض علينا القتال فلن يفرض علينا أبدا الاستسلام سنقاتل.. سنقاتل "وأصر على أن "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة"، وخلال حرب الاستنزاف كان يجهز الجيش لدخول حرب تحرير شاملة بالتنسيق مع جيشنا الأول في سورية، وقبل رحيله كان قد أعد خطة الحرب التي عرفت باسم جرانيت (1)، تلك التي استبدلها بعد ذلك أنور السادات بجرانيت (2).


ووفقا لتغيير الخطة تحولت الحرب من حرب تحرير شاملة لحرب تحريك فقط، وهو ما أشار إليه محمد حسنين هيكل بعد حرب أكتوبر في 2 فبراير 1974 بجريدة الأهرام، تحت عنوان "اللانصر واللاهزيمة"، وعلى أثره قام السادات بالإطاحة به من موقعه كرئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير الأهرام في 4 فبراير 1974.

لقد وجدت أمريكا ضالتها المفقودة لتحقيق حلمها في التفاوض والاستسلام في أنور السادات، الذي خاض حرب أكتوبر بهدف التحريك فقط من أجل الدخول في التفاوض الذى تريده أمريكا من أجل إسرائيل وقد كان، فقد أوقف السادات الحرب دون رغبة قادته، ودون مشاورة حافظ الأسد شريكه في الحرب، وبعدها بدأ في عملية تفاوض أفضت إلى اتفاقية الذل والعار المعروفة باسم كامب ديفيد، وخلال المفاوضات قامت أمريكا وكيانها الصهيونى بفرض إراداتهم، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المنتصر في الحروب لا يذهب إلى طاولة المفاوضات بل دائما ما يفرض شروطه وإرادته.

وخرجت مصر من المعادلة وبقيت سورية هي الحجرة العثرة في وجه إسرائيل، وحاولت أمريكا استمالة حافظ الأسد مرات ومرات، لكنه كان قد ورث العند والكرامة والكبرياء والزعامة من قائده جمال عبد الناصر، وجرت في النهر مياه كثيرة حتى جاءت حرب الخليج، وشارك الأسد في تحرير الكويت مع قوات التحالف الدولى، وانتهزت أمريكا الفرصة وبدأت في فتح ملف السلام مع سورية مرة أخرى، وحتى لا يتهم حافظ الأسد أمام العالم بأنه لا يرغب في السلام فقد قبل دخول المفاوضات لكن بشروطه، وأولها هو مبدأ الأرض مقابل السلام، ولم يقبل الذهاب إلى مدريد للتفاوض منفردا ، بل أصر على أن تكون عملية السلام شاملة مع كل الأطراف العربية وقد كان.

واستمرت المفاوضات لعشر سنوات كاملة حتى رحيله، أرهق فيها المفاوض الأمريكى والصهيونى ولم يمكنه من شيء فقد كان رجلا صلبا من فولاذ، وتشير الدكتورة "بثينة شعبان" المترجم الخاص للرئيس حافظ الأسد والمستشار الإعلامي والسياسي للرئيس بشار الأسد إلى ذلك في كتابها "عشر سنوات مع حافظ الأسد 1990 – 2000 " حيث ترصد من خلال الوثائق والمستندات والتسجيلات الخاصة بعملية التفاوض التي شاركت في كل مراحلها بصفتها المترجم الخاص للرئيس حيث تقول: إنه خلال المراحل الأخيرة من المفاوضات كان الرئيس كلينتون قد توصل مع إيهود باراك إلى خريطة قام بعرضها على الرئيس الأسد تقول:
"تريد إسرائيل سيادة كاملة على نهر الأردن وبحيرة طبرية، فهذا هو مخزونهم الرئيسي من المياه العذبة. هم يريدون البحيرة، ولديهم الاستعداد لمقايضة بعض الأرض في مكان آخر، وكذلك يريدون إبعاد السوريين عن نهر الأردن" وتشير أن باراك كان "يريد من سورية إعطاء إسرائيل سيادة على ممر عرضه عشرة أمتار على جانبي البحيرة من ينابيع بانياس في الجولان الشمالى وحتى بحيرة طبرية" فما كان رد حافظ الأسد.

بعد كلمات كلينتون "أوقف الأسد الترجمة على الفور وكان في حالة غضب شديد وسأل ببعض الانفعال عم يتكلمون؟ مبادلة أراض؟ ذلك الجزء من بحيرة طبرية لنا، وكان دائما لنا. أنا نفسى كنت أسبح فيها مع زملائي قبل الحرب. كيف يمكننا التخلى عنها؟ ثم نظر إلى كلينتون وخاطبه باللغة العربية، وترجمت أنا بسرعة: هذه أملاك شعبي"!، وردت أولبرايت على الأسد "إن باراك يعرض 90 بالمائة من الجولان، وأنه قد لا يتلقى هذا العرض مرة ثانية، لذلك فهو أمر يستحق التفكير فيه، ولا يجوز تفويت هذه الفرصة" ورد الأسد "حتى إن لم نستطع استعادتها الآن، فسنترك ذلك لأجيال المستقبل، لكننا لن نتخلى عنها أبدا. ما تقولونه لنا هو أن باراك ببساطة لا يريد السلام".

وهنا تدخل كلينتون لتهدئة الأسد قائلا: "بقبول هذه الاتفاقية ستحصلون على تسعين بالمائة من الجولان، ومن دونها يا سيادة الرئيس قد لا تستعيدون أي شيء أبدا، لم يبق هناك أحد في إسرائيل يريد السلام. الشخصان الوحيدان اللذان يريدان السلام، هما إيهود باراك وأنا" !، واستشاط الأسد غضبا مرة أخرى ورد "كيف يمكن لأى شخص أن يطلب منا التخلي عن أرضنا؟ تلك الأرض عزيزة جدا على قلوبنا، وقد ورثناها عن آبائنا". ثم أضاف: "لم يكن الإسرائيليون موجودين هناك قبل الحرب إطلاقا! فكيف يمكنهم الادعاء بأن الأرض أرضهم؟ " ثم قال بحدة "لست مضطرا إلى استعادتها، ولست مضطرا إلى التوقيع على التخلى عن أي شيء !". ثم أشار إلى الخريطة المبسوطة أمامه قائلا: "ما الذي سأفعله بهذه الأرض التي تقترحون اعطاءها لي بدلا من أرضي؟ أنا أعرف المنطقة جيدا. أتريدون أن تأخذوا المياه وأفضل أرض في المنطقة، وتعطونى جبالا صخرية بدلا منها؟". وهنا أنهى الأسد الحوار وغادر بعد أن فشلت معه كل المحاولات.

ورحل الأسد الأب وجاء الأسد الابن، وكما ورث الأب العند والكرامة والكبرياء من زعيمه جمال عبد الناصر ورث الابن نفس الصفات، وفشلت معه كل المحاولات للتفاوض وقبول شروط إسرائيل، لذلك كانت الحرب الكونية على سورية بهدف الإطاحة بهذا العنيد الذي يقف حجرة عثرة أمام أحلام الصهاينة، واستبداله بشخص آخر يمكن لأمريكا إجباره على قبول التفاوض مع إسرائيل، والوصول لموقف السادات وحسين وعرفات، وهو الموقف الذي رفضه جمال عبد الناصر ومن بعده حافظ الأسد وورثه لولده بشار الأسد، هذا هو السر الحقيقي وراء الحرب الكونية على سورية كما تكشفه قراءة كتاب "بثينة شعبان"، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية