رئيس التحرير
عصام كامل

الدبلوماسية بين نكسة 67 وانتصار 73!


قرار الحرب لا يتخذه العسكريين فقط بل قرار يتخذه من في يده القرار السياسي وعادة رئيس الدولة، وأيضا في الوقت الذي يجرى الإعداد العسكري للقتال، يجرى إعداد لا يقل أهمية وخطورة عن إعداد المقاتل، منها إعداد الجبهة الداخلية من تهيئة نفسية لتحمل المعركة وخسائرها، وهناك معركة أخرى يحمل عبء القيام بها الدبلوماسية، فمثلا كانت مصر قبل يونيو 67 صوتها أعلى بكثير مما يجب، خاضت معارك كلامية كانت مصر في غنى عنها، حتى بعضها كانت مع دول عربية شقيقة، وعندما حدثت نكسة يونيو 67 انقلب الحال وأصبحت مصر بدلا من مخاطبة العالم من أجل حقوق الفلسطينيين وحق العودة، أصبح الأمر أكثر صعوبة، وأصبحت لغة الأمس لا تصلح بعد النكسة!


أولا: العالم كان متعاطفا مع الكيان الصهيوني، فقد نجحت الصهيونية في إقناع معظم دول العالم بأن العرب وخاصة مصر، سيلقون باليهود في البحر، وأنهم اعتدوا عليهم في الخامس من يونيو 67، وما حدث كان دفاعا عن النفس، الغريب أن العالم كان يصدقها ويكذبنا، حتى عندما قام الكيان الصهيوني بضرب مدرسة بحر البقر وقتل عشرات الأطفال، كذبنا العالم وصدق ادعاءات الكيان الصهيوني بأن المدرسة مواقع عسكرية، وأن بها مخازن للأسلحة، وعندما قام الطيران الصهيوني بضرب مصانع أبو زعبل، نفس الادعاءات رددتها الدعاية الصهيونية بأن المصانع مواقع عسكرية، وأن ما فعله الصهاينة هو الدفاع عن أنفسهم.

ثانيا: كانت حرب الاستنزاف إحدى المحطات المهمة التي أربكت كل حسابات قيادات الكيان الصهيوني، وظهر أن مصر بدأت تنفذ ما أعلنته أن ما أؤخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وبالرغم من إيجابية هذه الحرب إلا أنها جعلت العبء يتضاعف على الخارجية المصرية لتوضيح حق الفلسطينيين وحق مصر في استرداد أرضها، التي احتلت في 67.

ثالثا: جاءت موافقة جمال عبد الناصر على مبادرة روجرز الأمريكية، كأول خطوة أو ضربة دبلوماسية للسياسة المصرية منذ الانتصار السياسي المدوي في عام 56، بعد العدوان الثلاثي على مصر، كانت موافقة مصر غير متوقعة مطلقا ليس من العدو والغرب فقط، ولكنها حتى من الأصدقاء والأشقاء العرب، فوضع الكيان الصهيوني لأول مرة أمام الأمر الواقع وعليك الانسحاب من الأراضي التي احتلت في 67، والحقيقة الإدارة المصرية كانت تهدف لأمرين، الأول هو بناء حائط الصواريخ الذي يحمي سماء مصر لمسافة 15 كيلومترا داخل سيناء، الأمر الثاني هو كشف الكيان الصهيوني - إسرائيل - أمام العالم، ونؤكد للعالم أنها تكذب عندما تدعي أنها دولة مسالمة وأنها عكس ذلك.

رابعا: جاء الرئيس أنور السادات ليقدم أسلوبا جديدا في العمل الدبلوماسي المصري، راوغ الروس عندما طرد الخبراء الروس ثم أقام معاهدة تعاون، وجاء بالوزير مراد غالب للخارجية، الذي كان يعمل سفيرا لدى الاتحاد السوفيتي، ثم توالى العمل ليل نهار من الخارجية المصرية بقيادة عدد من الرجال د. محمد حسن الزيات، الذي تولى الوزارة بعد مراد غالب، وأيضا كانت هناك أدوار يقوم بها أشرف غربال وحافظ إسماعيل وإسماعيل فهمي، الأخير تولى قيادة الخارجية أثناء حرب أكتوبر!

خامسا: استطاع السادات أن يجعل الكثير من دول العالم تتفهم القضية الفلسطينية، وأن العرب شعوب سلام وليست شعوب حرب، كما تزعم الدولة الصهيونية الإسرائيلية.

سادسا: مما لا شك فيه أن دور الدبلوماسية المصرية قبل حرب أكتوبر وأثنائها وبعدها، كان دورا رائعا مثيرا للإعجاب، وخاصة في الأمم المتحدة وأمام العالم، ولا بد أن ندرك أن نكسة 67 علمت مصر الكثير، وكانت تجربة في منتهى القسوة علينا.. شعوب مكلومة في الوطن وفي شهدائها، وتجربة قاسية ومعلمة لقادة مصر سواء كان عبد الناصر أو السادات.

ونحن نعيش أجواء انتصارات السادس من أكتوبر الذي أعاد لنا الكرامة والعزة وأرضنا سيناء، لا بد أن يدرك الشباب أن دماء الشهداء هي التي أعادت سيناء وأيضا طابا، التي عادت بعد معركة دبلوماسية رائعة، ولهذا أعيد كلمة السادات: الحرب ليست خناقة في خمارة!

وتحيا مصر.. مصر الكرامة الحضارة، مصر التي تغنى بها الأجيال قائلين: يا جنة الإنسان يا بلدنا يا مصر!!
الجريدة الرسمية