رئيس التحرير
عصام كامل

عريسي المُرشَّح.. عروستي المُرشَّحَة!


كتبت هازلا ذات يوم على Facebook أنني قُمت بسحب أوراق ترشُّحي لعضوية مجلس النواب المُقبل، وعندما وصلت لمرحلة الكشف الطبي تم رفض طلبي، والسبب المكتوب في تقرير الرفض هو أن العبد لله لا يمتلك القدر الكافي من السماجة لشغل المنصب أو حتى المُنافسة عليه!


لم أتخيَّل وقتها أن بعض الأصدقاء سيأخذون الأمر على محمَل الجَد، لدرجة أن أحدهم رد علىَّ مواسيًا وحزينًا، وهو يؤكد لي - زي سلو بلدنا - أن الكُرسي هو الخسران، وأن الشباب الطيب الواعد إللي زي حالاتي خُسارة في البلد، وكان ناقص كمان يقول لي إن القُبَّة الشهيرة في المجلس هتبكي علىَّ بدل الدموع دم!

العجيب أن جمعًا هائلًا من الناس صار مؤمنًا بأن السماجة المذكورة هي عُنصر أساسي ولا غنى عنه لدى المُرشَحين لشغل عضوية المجلس الموقَّر؛ إذ تُعَد - هذه السماجة - عوضًا عن نقص كبير وهائل في عناصر أخرى يُفتَرَض أنها أكثر أهمية للمُرشَّح، مثل العلم، اللباقة، الثقافة، الدراية السياسية (لا أقول الخبرة)، القُدرة الفعلية على شغل المنصب لصالح البلد لا لصالح ابن الخال وبنت العَم وتوظيف الأخ وتثبيت الأخت ورفع معاش الأب، فتتم الاستعاضة بالسماجة والتناحة لصم الآذان عن أي انتقادات موضوعية، بل الرَد عليها - الانتقادات الموضوعية - بجرأة تصل لحد البجاحة السافرة، بأن العمل سيتم على قدم وساق لخدمة أبناء الدائرة ولا مؤاخذة!

يستعين المُرشَّح من دول بالقدر الكافي والمطلوب - ربما أكثر قليلًا أو أقل قليلًا حسب قُدراته الشخصية - من السماجة والتناحة، عوضًا عن مواقف أو تصنيفات سابقة؛ كونه كان أحد المُنتمين بحُب وعشق شديدين للحزب الوطني مثلًا، أو لجماعة الإخوان المُجرمة مثلًا، كمُتعاطف شديد العشق والوله وليس كعضو أصيل، أو كتابع لحزب النور مثلًا إللي هو عاشق لأي حَد قاعد على الكُرسي، سواء كان هذا الحَد من المصريين أو الإخوان أو المماليك أو حتى من الحملة الفرنسية!

وسألني أحد الأصدقاء من المُرشحين للمجلس، وهذه هي تجربته السياسية الأولى، ومن حُسن الحظ أنه لم يسبق له الحصول على وصمة الحزب الوطني، ولا ختم الإخوان، سألني النصيحة، فسألته بدلًا منها عن سبب ترشُّحه للمجلس، فقال إنه يرغب في خدمة أبناء الدائرة، مجاري، كهرباء، تراخيص بناء، وظائف، ولَمَّا استفسرت منه عن مسائل سَن القوانين بعد مُناقشتها، والرقابة على الحكومة، وطلبات الإحاطة، وعمل اللجان المتنوّعة داخل المجلس، قال لي إن هذا أمر واسع ومطَّاط ولا يمَس مصالح أبناء الدائرة بشكل مُباشر، وإن توظيف عيِّل معاه دبلوم في الكهرباء أو في الغاز بمُرتَّب ألفين أو تلات آلاف جنيه، ليضمن لنفسه ولورثته من بعده دخلا أبديا ثابتا، ورعاية صحيَّة دائمة، وعلاوات ومُكافآت وحوافز سرمدية، مُقابل توقيع الحضور والانصراف وتناول الإفطار والتدخين في المكاتب الحكومية وقت ما يحب، أهم عنده - عمليًا - من سَن قانون يُتيح للدولة جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية، أو يقضي على الإرهاب، أو يُغلق صنبورين تلاتة من صنابير الفساد المفتوحة على البحري في البلد!

قال بصراحة إن المواطنين من أبناء الدائرة لا يلمسون القوانين وتأثيراتها بشكل مُباشر، وبالتالي لا يعنيهم أمرها حتى إن كانت قادرة - بعد سنَّها وتطبيقها - على النهوض بالبلد، والتأثير بالشكل الإيجابي المطلوب فيما بعد، وإنما عائلة وأصدقاء وإخوان وجيران وزملاء ونسايب الأخ الذي سيتم تعيينه في الكهربا أو الغاز سيكون بمقدورهم لمس الجميل الذي قدَّمه سيادة النائب، والتحسيس عليه - الجميل وليس النائب - وبالتالي سيحتفظ بأصواتهم جميعًا مدى الحياة، وهذا هو المطلوب طبعًا من غير لَف ودوران وضحك على ذقون بعضنا البعض!

ولطالما كانت مسئولية المُرشحين اجتماعية، يمنح حضرته الخدمة المُباشرة لأبناء الدائرة، فيمنحونه أصواتهم، فيستمر عضوًا برلمانيًا، لا يعنيه إلا أمور الرصف والسفلتة ومُشاطرة الأحزان في سرادقات العزاء، أو ضرب النار في احتفالات الزواج والطهور والعودة من الحِجاز، فينبغي - حتمًا - توسيع تلك الدائرة ولا مؤاخذة!

وباختصار خلينا نعترف بأن المقعد بالنسبة للمُرشَّح هو غاية وليس وسيلة، أي أنه هدف للوصول إلى السُلطة والنفوذ والحصانة، وليس طريقة صادقة لخدمة ورفعة الوطن، وهو يستخدم في ذلك السعي أصوات مواطنين يسعى كُل واحد منهم - بصراحة - للحصول على مُقايضة ومنفعة شخصية سريعة ومُباشرة لنفسه أيام الانتخابات؛ لأنه عارف أنه لن يرى وجه الباشا المُرشَّح بعد نجاحه إلا لمامًا لحد موعد الانتخابات التالية!

وكمان المُرشَّح من دول مُمكن يوسَّع نشاطه، يعمل في مقرّه الانتخابي أقسام أكثر تفاعلًا مع الجماهير، يعني قسم لتنفيض السجاجيد بدلًا من المكلومات من ربَّات البيوت، قسم لمسح السلالم وتلميع الإزاز وتغيير جلدة الحنفية، وقسم لإخراج العيال المشبوهين من أقسام الشُرطة رغم أنهم مقبوض عليهم ببانجو، والأهم من كدة قسم للزواج وتضرب بيه عصفورين بحَجَر، تقضي على أزمة العنوسة سواء للذكور أو الإناث، وتقضي كمان على أزمة البطالة بالنسبة لمأذون الدائرة وشهودها!

بل إن المُرشَّح نفسه مُمكن يلعب دور حلاَّل المشاكل بالنسبة لبعض إناث الدائرة ممَن فاتهن قطار الزواج، فيقوم بحُل مُشكلة ثلاثة منهن، ويضمَّهُن في كنفه مع زوجته، ولو كانت المُرشَّحَة أنثى، فيُمكنها - إن لم تكُن متزوجة -أن تتزوَّج من واحد من أبناء الدائرة الراغبين في إيجاد فُرصة عمل لصنع مستقبل شخصي له، فتتزوَّج هذا وتمنح فُرصة العمل لآخر؛ من أجل أن يعُم الخير على الجميع، ولو كانت حضرتها متزوِّجة فينبغي عليها أن تزوِّج أبناءها الذكور وبناتها الإناث لشابات وشباب من الدائرة من غير القادرين، وممَن يعانون وتُعانين من مُشكلات تأخُّر الزواج والعنوسة، وكمان تسمح لزوجها الموقَّر بأنه يتزوَّج بثلاثة من بنات الدائرة كذلك، وتتقبلهُن بصدرٍ رحب من أجل مصلحة الدائرة ومواطنيها!

وللعلم كدة هاتبقى المسافات بين الناس والمُرشحين أقل، وهايبقى زيتنا في دقيقنا، والمُرشَّح يتقرَّب أكثر وأكثر ويندمج أكثر وأكثر مع دائرته وأبنائها من النسايب والحبايب والقرايب، بينما يرفع أبناء الدائرة شعار وناسبنا الحكومة وبقينا قرايب، مع العلم بأن السيد المُرشَّح الذي سيُصبح نائبًا سيكون - بحُكم مقعده تحت القبَّة وبحُكم الدستور - في مكانة أعلى من الحكومة ذات نفسها، بحُكم تدرُّج الهرم السياسي؛ إذ يملُك مجلس الشعب ونوابه صلاحية بهدلة الحكومة بل إعادتها لتجلس في بيتها، بينما لا تملك الحكومة قُدرة على المساس بعضو المجلس الموقّر، وسيتحوَّل الهتاف الانتخابي من انتخبوا فلان خير مَن يُمثلكم، أو كُل الخير مع رمز الزير، إلى عريسي جه أنا جايَّة أهو، وما تذوقيني يا ماما أوام يا ماما!

بُناءً عليه ينبغي على حضرتك - كصاحب صوت شريف عايز مصلحة البلد بشكل عام مش عاوز رخصة علشان تبني عشر أدوار إضافية في بيتك المُتهالِك أو تتعيِّن في الغاز أو المجاري - أن تفهم الرسالة التي لا بُد أنك فاهمها من زمان.. مجلس الشعب، أو مجلس الأمة، أو مجلس النوَّاب، أو المجلس الموقَّر، أو المجلس سيد قراره، هو بالنسبة لمُعظم المُرشحين مُجرَّد أداة اجتماعية اقتصادية للنائب، يستغلها في التلميع والتحصين وجمع المال والأحباب وربما الزوجات، فهل سيادتك قادر بعد كُل ذلك على تفادي إخواننا من أمثال هؤلاء - الأغلبية - وانتقاء واحد ابن حلال من الأقلية الساعين فعلًا لخدمة البلد من على الكُرسي، لا خدمة أبناء الدايرة والتزلُّف لهم؛ حفاظًا على الصوت لا حتى حُبًا فيهم؟

بصراحة أشُك أنك تلاقي الصنف ده من المُرشحين، وبصراحة أكتر، أشُك في حضرتك كمان!
الجريدة الرسمية