فوضى قيمية وإعلام فاقد للهوية
شتائم وسباب وتهديدات وتشنجات وملاحقات قضائية، وإعلام يسعى وراء الإثارة، في ظل حديث الرئيس عن حرية إعلام غير مسبوقة.
صحيح أنه عندما تتحدث الفنانة انتصار عن دور الأفلام الإباحية، ويستطيع أي ضيف أن يشتم من يشاء على الهواء، وأن يسمح مقدم البرنامج بدخول ضيف على الهواء في مداخلة تليفونية، يعرف مقدم البرنامج أو مقدمته مسبقًا، أن مداخلة الضيف "ربما" تتضمن كلمات غير لائقة، تتحول الحرية من الحرية المجتمعية إلى حرية شخصية، وقتها لا بأس في أن تقول ما تقوله، ويسمح لك الإعلام بذلك؛ لأنه حول الحرية المجتمعية إلى حرية شخصية.
الحرية المجتمعية هي الحرية التي تقف عندها حريتك الشخصية على الهواء مباشرة، عندما يتحول الإعلام من الحرية المجتمعية إلى الحرية الشخصية، لا يرى الإعلامي غضاضة في لفظ يجب أن يحتفظ به لنفسه، ويجب في المقابل ألا ينتظر من ضيف يتحدث معه تليفونيًا، يتهمه بالإسفاف، أن يكون عفيف اللسان.
صحيح أن الضيف الذي يشارك من خلال مداخلة تليفونية قد يباغت مقدم البرنامج على الهواء، لكن جانبا كبيرا فيما يفعله الإعلام في الحقيقة، هو أنه يبحث عمن يشعل فتيل التفجير بمجرد ظهور قضية ما، ومعدو البرامج التليفزيونية يعرفون ذلك، ويبحثون عمن يحب أن يشعل هذا الفتيل، وما هي إلا ساعات حتى يمتلئ الإعلام صراخًا.. هذا المنهج يتكرر مع قضايا مختلفة.
ويبدو أن السؤال الحقيقي هو: لماذا كل هذه الشخصنة والنفسنة في الإعلام؟
صحيح أن الضيف الذي يشارك من خلال مداخلة تليفونية قد يباغت مقدم البرنامج على الهواء، لكن جانبا كبيرا فيما يفعله الإعلام في الحقيقة، هو أنه يبحث عمن يشعل فتيل التفجير بمجرد ظهور قضية ما، ومعدو البرامج التليفزيونية يعرفون ذلك، ويبحثون عمن يحب أن يشعل هذا الفتيل، وما هي إلا ساعات حتى يمتلئ الإعلام صراخًا.. هذا المنهج يتكرر مع قضايا مختلفة.
ويبدو أن السؤال الحقيقي هو: لماذا كل هذه الشخصنة والنفسنة في الإعلام؟
الإجابة ببساطة، هي أن الإعلام فقد هوية مصر التي تمناها الجميع عقب ثورة 25 يناير، ونشط حتى لفظ حكم الإخوان في 30 يونيو، ثم وجد أنه من الأفضل أن ينبطح سياسيًا بعد قانون انتخابي صادم، وأن يستحي من أن ينتفض لمواجهة الدعوة لتعديل الدستور لتحجيم دور البرلمان، وأن يبرزها بنفس المساحة التي تتم بها مناقشة قضايا باسم مرسي، ومانويل جوزيه، وانتصار، ووائل الإبراشي.
وكما تنازل الكثير من الإعلاميين عن حق المجتمع المدني في قضايا أكثر أهمية من رحيل باسم مرسي من الزمالك وعن أزمة مدرب الأهلي، وعن الدور الحيوي للأفلام الإباحية، تتوارى قضايا الشباب الموجود في السجون، ويختفي دور شباب الثورة، ويتم اتهام بعضهم بالخيانة، ويتم حذف موضوعات صحفية أو تغييرها من صحف محسوبة على النظام السياسي، دون أن نعرف من يفعل ذلك، وتتم مناقشة قضية أزمة الحريات في مصر على طريقة "لا تسألوا أسئلة إن تبدو لكم تسؤكم"، وأن تعلو تقارير خارجية عن أزمة حريات في مصر دونما إعلام، ومن ورائه مجتمع مدني ينتفض خوفًا من أن يكون ذلك صحيحًا.. في مصر التي كانت تنتفض من أجل الديمقراطية والحرية، لم تكن قضايا كرة القدم الشغل الشاغل للإعلام، وتوارت الأفلام المسفة، ولم يكن لدى الرجال وقت لمناقشة الدور الحيوي لأفلام البورنو.
وفي ظل فقدان الإعلام للبوصلة، لم يعد الضيوف ولا الإعلام نفسه يتنبه أن لكل مجتمع ضوابطه، وأنه حتى إن تنازل الإعلام عن مناقشة قضية الديمقراطية والحرية، كان على الإعلام نفسه ألا يفقد وعيه القيمي.. فالمجتمع المصري مجتمع "محافظ" ولا يعتبر الدعوة لمشاهدة أفلام البورنو ثقافة، في حين أن الغرب نفسه يحاربها.. وثقافته تختلف عن ثقافة الغرب فيما يتعلق بما هو متاح في الفن، فالراقصتان اللتان تلقتا حكمًا بالحبس لمدة 6 أشهر لنشرهما فيديوهات لوصلات رقص فاضحة تحمل إيحاءات جنسية، كانتا ستعتبران من الفنانات الجريئات المبتكرات في الربط بين الإيحاءات الجنسية والرقص في دول غربية.
المشكلة التي يعاني منها الإعلام المصري، هو أنه يعكس حالة من الفوضى القيمية، حتى يتمنى الجميع أن تعود مصر مبارك، كما كانت مع محاولات عودة رموز نظامه للمشهد السياسي والبرلماني.. الابتعاد عن مناقشة القضايا السياسية المهمة، يجب ألا يكون على حساب منظومة قيم المجتمع، التي تعطي لجماعات أو أحزاب دينية الذريعة لبث فكر التشدد والتطرف تحت شعار "بئس لكم الحرية التي اخترتم".
والبحث الدائم عن الإثارة في القضايا الإعلامية المطروحة، أو في طرح رؤى لا تتفق مع قيم المجتمع المصري، لن يؤدي إلى تطور المجتمع أو حل مشاكله؛ ليس لأن المجتمع المصري رجعي.. لكن لأن منظومة قيمه تختلف عن المجتمعات الغربية.
ومع حالة "الإثارة" التي يفرضها الإعلام المصري، حتى إن لم يكن يتعمد ذلك في كل الأحوال، ليأخذ الشعب المصري بعيدا عن واقعه السياسي، فإنه علينا ألا نفقد الأمل في مجتمع مدني صنع ثورتين، وبعض الأحزاب السياسية غير الورقية، التي يسعى الكثير لتهميشها أو إضعافها، وفي إعلام مازلت أعتقد أن مصر الجديدة مازالت في ذاكرته التي يفقدها بين الحين والآخر، بعد أن اختار أن يضع برامجه وكثيرا من رموزه على طريق الزهايمر.
وكما تنازل الكثير من الإعلاميين عن حق المجتمع المدني في قضايا أكثر أهمية من رحيل باسم مرسي من الزمالك وعن أزمة مدرب الأهلي، وعن الدور الحيوي للأفلام الإباحية، تتوارى قضايا الشباب الموجود في السجون، ويختفي دور شباب الثورة، ويتم اتهام بعضهم بالخيانة، ويتم حذف موضوعات صحفية أو تغييرها من صحف محسوبة على النظام السياسي، دون أن نعرف من يفعل ذلك، وتتم مناقشة قضية أزمة الحريات في مصر على طريقة "لا تسألوا أسئلة إن تبدو لكم تسؤكم"، وأن تعلو تقارير خارجية عن أزمة حريات في مصر دونما إعلام، ومن ورائه مجتمع مدني ينتفض خوفًا من أن يكون ذلك صحيحًا.. في مصر التي كانت تنتفض من أجل الديمقراطية والحرية، لم تكن قضايا كرة القدم الشغل الشاغل للإعلام، وتوارت الأفلام المسفة، ولم يكن لدى الرجال وقت لمناقشة الدور الحيوي لأفلام البورنو.
وفي ظل فقدان الإعلام للبوصلة، لم يعد الضيوف ولا الإعلام نفسه يتنبه أن لكل مجتمع ضوابطه، وأنه حتى إن تنازل الإعلام عن مناقشة قضية الديمقراطية والحرية، كان على الإعلام نفسه ألا يفقد وعيه القيمي.. فالمجتمع المصري مجتمع "محافظ" ولا يعتبر الدعوة لمشاهدة أفلام البورنو ثقافة، في حين أن الغرب نفسه يحاربها.. وثقافته تختلف عن ثقافة الغرب فيما يتعلق بما هو متاح في الفن، فالراقصتان اللتان تلقتا حكمًا بالحبس لمدة 6 أشهر لنشرهما فيديوهات لوصلات رقص فاضحة تحمل إيحاءات جنسية، كانتا ستعتبران من الفنانات الجريئات المبتكرات في الربط بين الإيحاءات الجنسية والرقص في دول غربية.
المشكلة التي يعاني منها الإعلام المصري، هو أنه يعكس حالة من الفوضى القيمية، حتى يتمنى الجميع أن تعود مصر مبارك، كما كانت مع محاولات عودة رموز نظامه للمشهد السياسي والبرلماني.. الابتعاد عن مناقشة القضايا السياسية المهمة، يجب ألا يكون على حساب منظومة قيم المجتمع، التي تعطي لجماعات أو أحزاب دينية الذريعة لبث فكر التشدد والتطرف تحت شعار "بئس لكم الحرية التي اخترتم".
والبحث الدائم عن الإثارة في القضايا الإعلامية المطروحة، أو في طرح رؤى لا تتفق مع قيم المجتمع المصري، لن يؤدي إلى تطور المجتمع أو حل مشاكله؛ ليس لأن المجتمع المصري رجعي.. لكن لأن منظومة قيمه تختلف عن المجتمعات الغربية.
ومع حالة "الإثارة" التي يفرضها الإعلام المصري، حتى إن لم يكن يتعمد ذلك في كل الأحوال، ليأخذ الشعب المصري بعيدا عن واقعه السياسي، فإنه علينا ألا نفقد الأمل في مجتمع مدني صنع ثورتين، وبعض الأحزاب السياسية غير الورقية، التي يسعى الكثير لتهميشها أو إضعافها، وفي إعلام مازلت أعتقد أن مصر الجديدة مازالت في ذاكرته التي يفقدها بين الحين والآخر، بعد أن اختار أن يضع برامجه وكثيرا من رموزه على طريق الزهايمر.