رئيس التحرير
عصام كامل

الهجرة بين مشرك ومشرك ودروس في السياسة!


كان عبد الله ابن أريقط دليل الحبيب عليه الصلاة والسلام، في الهجرة، مشركا على دين القرشيين.. يعبد اللاة ومناة والعزي وهبل، وغيرها من الآلهة العبثية التي صنعوها من الحجارة.. ورغم ذلك فلم يمنع كل ذلك أن يكون دليلا في أخطر رحلة في تاريخ البشرية.. دليلها وكاتم أسرارها وشريكا في الخداع الإستراتيجي الكبير الذي خدعت به قريش..


في الطريق إلى يثرب (المدينة المنورة) يقطع سراقة ابن مالك الطريق على الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وصاحبه، وتتدخل السماء لتمنع سراقة مما سعى إليه ويعود من حيث أتى مذهولا مما جرى، موعودا بأساور كسرى!

في المشهد الأول، يقر الإسلام العظيم أن التعامل مع المشركين جائز، بل الاستعانة بهم مباحة، بل ائتمانهم على الأسرار ممكن، ليس بين المسلمين وبينهم إلا الدعوة بالموعظة الحسنة، وفيها قانونه الإلهي الأعظم "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، فقد كان ابن أريقط مشركا.. وليس من أهل الكتاب!

أما في المشهد الثاني فالمشرك هنا عدو.. جاء مقاتلا.. يختلف تماما عن المشرك المسالم المؤتمن، ومع ذلك فليس له وبعد عثرته وسقوطه من فوق جواده وطلبه للسماح والعفو، إلا الدعاء له وتركه إلى حال سبيله، وليس الانقضاض عليه والفتك به.. فقد انتقل من دائرة القتال إلى دائرة المستجير، وهنا تحكمها آية أخرى تشكل قانونا بذاتها، رغم أنها نزلت فيما بعد، وهي أرقى من كل قوانين ومعاهدات الحروب والأسرى في العالم الحديث، ويقول فيها التنزيل الحكيم "وإن أحدا من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون".

ومعنى الآية أنك وأنت تقاتل - حتى وأنت تقاتل - فإن ظفرت بأحدهم فلا تقتله ولا حتى تؤذيه، بل على العكس تماما.. وفر له المأوى والأمان، وإن طلب الفرار ساعده عليه، شريطة ألا يعود إلى القتال!!

الآية من أواخر القرآن الكريم العظيم، وكأنها رسالة إلينا في ذاتها.. إنه القرآن الذي يخالفه الآن أغلب من ينتمون إليه، ويستدلون في أحكامهم بالفقهاء وتلاميذ الفقهاء، رغم أن معهم الدستور السماوي المنزل المنزه عن الهوى المحفوظ بعهد الله.. ولذلك ليس غريبا أن يتهم الملحدون الإسلام بما ليس فيه.. فلم يفهمه حتى المنتمين إليه!

إنه الإسلام العظيم الذي آن الأوان لفهمه، ورفع ما تراكم فوقه، وتقديمه للدنيا بصورته الصحيحة، وصورته الصحيحة هي صورته الحقيقية!

ملحوظة: درس الهجرة لم يكن للتسلية، إنما للعلم والتعليم.. وللعبرة والاعتبار.. فنجده حولنا وفي أيامنا.. انظروا إلى الأحداث ستجدون من المسلمين من استعان بغير المسلمين.. بينهم عدو وبينهم صديق!!
الجريدة الرسمية