معالي الوزير خرِّيج دُفعة «حَرْف الطشْت»!
منذ ما يقرب من خمسة عشر عامًا على ما أذكر، دعيت إلى افتتاح إحدى مكتبات مشروع القراءة للجميع بعاصمة إحدى محافظات شرق الدلتا ولن أذكرها حتى لا أقلب المواجع على محافظها آنذاك لأنه ما زال مقيدًا بدفاتر الأحياء.
وقف المحافظ يلقي كلمة الافتتاح التي أعدها له مسئول الإعلام بالمحافظة.. بدأها بقراءة الديباجة التاريخية بالثناء على وليّ النِّعَم والمدام والأنجال وكأنه يقرأ من مخطوطة خطبة منبرية من أيام الخليفة العثماني.
بعد الديباجة قال نحن أمام مشروع سوف يغير وجه الحضارة، وهو للتقدم إمارة وسوف يدخل كل شارع وكل "زُقَّة" وكل حارة، هذا المشروع العملاق سوف تمتد مظلته لأهالي المنطقة "تِمّا" ــ أي والله قال تِمّا ــ ثم رفع صوته وكأنه يتهيَّأ لإعلان قرار حرب مقدسة قائلًا إنه مشروع "القراءة والجميع".. على فكرة المشروع كان اسمه "القراءة للجميع"!
كتمت الضحك في صدري وكدت أتعرض لأزمة قلبية.. ثم علمت من صديقي مدير العلاقات العامة أن الذي أعد الكلمة موظف يعمل مسئولًا للإعلام وهو خريج كفاية إنتاجية، لكنها إفرازات الكوسة والتعليم المضروب يا صديقي.. المصيبة الكبرى في تقديري هي كيف مرت الكلمة على من راجعوها ممن هم أقدم منه وظيفيًا وأبعد منه خبرة؟!.. بل كيف مر على المحافظ ذلك الهَطَل الذي ورد بها؟!.. من المؤكد أنهم أصيبوا بنيران العطب التعليمي طيلة الثلاثين عاما الماضية ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ما دعاني إلى ذكر الواقعة، هو ذلك "الهري" الذي صاحب نشر تغريدات وزير التعليم الجديد وما حفلت به من جنايات لغوية تكفي لتقديم بلاغ للنائب العام لفحص أوراق امتحاناته من المهدالي الكادر.
للأسف الشديد لم يقتصر الأمر على مخرجات التعليم ووضوحها على المسئولين.. لقد زحف الانحطاط إلى ميادين الإبداع التي من المفترض ألا تسمح بتسلل الفهلوة والنصب والتهجيص، وصعد إلى منصات التتويج شعراء من مؤلفي قصائد "الحضن الحضن البوس البوس" التي رددها اللمبي في فيلمه الشهير.. وإليك الدليل:
منذ فترة ليست بعيدة، قرأت مقالات احتفائية بأحد شعراء الحداثة.. لن أذكر اسمه لأنه رجل كبير وشايب وزميل دفعة.. أقسم بالله أن ما ينظمه من شعر لا يزيد ولا ينقص عما كتبته أنا وأقدمه لك في السطور التالية.. كلام مرصوص والسلام.. وخش على القصيدة يا حلاوة:
ــ أسبح في اللاوعى/ يطاردنى الجندول/ يصرخ سمك البلاشون/ للناعورة صوت كمنجة/ ورق الخشخاش يرفرف/ تتساقط أوراق البفرة/ فيعود الوعى الشرير/ أسبح ثانية في اللاوعى/ يا وعى العالم يا واعى/ عواء عواء عواء/أعواء الذئب هذا / أم أنَّات الدب / آه يا جوافة الزمرد/ أوَّاه يا حبات الحرنكش/ بين أصابعى أحجار كريمة/ ماس ياقوت وزمرد/ قرط من قرن البامية/ أطرق باب الفردوس/ أدُق أدُق أدُق/ يفتح باب الشعرية/ تباغتنى طاولة العشاء الأخير/ عليها الطاووس والناقوس والغموس/ أنفخ في كيس الشيبسى/ يطرقع يفرقع يقعقع/ الكيس بدائى الصُّنْع/ يسمعنى كوكب نيبتون/ أرشف رشفة ليبتون/ ما شربش الشاى/ أشرب أزوزة أنا.
ــ نسيت أقول إن عنوان القصيدة "ولامَسَت المَراشِفُ حَرْفَ الطِّشْت"..أرزاق!