رئيس التحرير
عصام كامل

جنود مجهولون في انتصار أكتوبر


كثيرون هم الجنود الذين لم تطأ أقدامهم مدينة الإنتاج الإعلامي، ولم تتوجه إليهم كاميرات الفضائيات؛ ولم ينالوا ما يستحقون من التكريم ماديا ومعنويا. ويكفي أن نعرف أن "عبد العاطي" صائد الدبابات مات بالفشل الكلوي، وبالكاد كان يتمكن من توفير ثمن العلاج!


عرفت "عبد اللطيف على"، الذي عاد بعد انتهاء فترة الحرب إلى مسقط رأسه بقرية "نجع حمد" بمركز طهطا، محافظة سوهاج.. مختتما فترة دامت نحو أربعة شهور من الحصار في الجيش الثالث الميداني، عانوا خلالها من العزلة عن العالم، ونقص الإمدادات الغذائية، ونفاد المياه.. وحكى لي ما رآه بعينيه من مشاهد لا يكاد يصدقها عقل.. مثلا أسقط العدو قنابل تزن عدة كيلو جرامات، وكانت أصغر واحدة منها كفيلة بسحق الجنود المحاصرين في فصيلته على الأقل، فضلا عن المعدات.. لكن المعجز أن أيا من القنابل لم ينفجر إطلاقا.. بل إن إحداها حفرت حفرة عميقة في الأرض، فتدفق منها الماء؛ ليشرب منه الجنود والضباط المحاصرون.

حكى أيضا عن "مصطفى نور الدين" الذي عبر مع أولى الكتائب، التي اقتحمت خط بارليف، للضفة الشرقية، في قارب رئيس الكتيبة.. وأصابته شظية في منطقة حساسة، ورفض الامتثال للأوامر، والتوجه للضفة الغربية لتلقي العلاج، واستمر يحارب.. حتى انتهت الحرب، فيما ظل هو يعاني الإصابة حتى لقي ربه العام الماضي.. وحكى لي أيضا أن زميلا له فرغت الذخيرة من سلاحه، ولم يعد بحوزته سوى "كوريك".. وإذا بدبابة إسرائيلية يصيبها عطب، وتتوقف على مقربة منه، فما كان منه إلا أن ارتقاها، حتى وصل إلى برجها، وطرق عليه بـ "الكوريك"، وفوجئ بطاقم الدبابة يخرج واحدا وراء الآخر، لكن البطل المصري لم يدر ماذا يفعل، فقام بضربهم جميعا بـ "الكوريك" حتى لقوا حتفهم!

وحكى أيضا عن جندي إسرائيلي أصابته حالة عصبية وأخذ يرتعد من الخوف والذعر، وظل يبكي ويتوسل للجنود المصريين أن يدفئوه، واحتاروا ماذا يفعلون معه، وإذا به يشير إلى دبابة مشتعلة، وألقى بنفسه في نيرانها!

الجندي المجند "عبده عبد العال فارس" من قرية "الخلافية" مركز جرجا، بمحافظة سوهاج.. والذي جاءه خطاب التجنيد قبل أن يمضي أسبوع على زواجه.. شارك في حربي 67 و73.. وعبر قناة السويس مع العابرين، وقص عليِّ حكاية قائده الذي استشهد.. فإذا بوجهه يتحول من العبوس و"التكشيرة" إلى الابتسام، والاستبشار؛ كمن رأى مقعده في الجنة.

أما الجندي المجند "أبو الحجاج يوسف إبراهيم" من نجع الصعايدة مركز دشنا بقنا.. فإنه كان أحد العناصر التي كانت تنفذ خطة الخداع الإستراتيجي للعدو على الساحل الغربي للقناة، وكان يلعب الكرة مع زملائه.. وكانوا يتنادون بأسمائهم كعادة لاعبي الكرة عندما يطلبون تصرفا معينا من زملائهم.. وبعد أن نادى أحد زملائه عليه، فوجئ بجندي إسرائيلي يصيح من الناحية الشرقية للقناة: "أبو الحجاج"، والتفت مندهشا، فإذا بالإسرائيلي يشير إليه إشارة خارجة، ويسبه بأمه!

اغتاظ البطل المصري، وهم بالقفز في القناة لكي يصل إليه لينتقم منه، لكن زملاءه أمسكوا به ومنعوه.. وتكرر الفعل من الإسرائيلي، واشتد الغضب بالمصري.. إلى أن اندلعت الحرب.. وعبر "أبو الحجاج" مع زملائه من جنود المشاة، وعلى الفور بدأ البحث عن الجندي الإسرائيلي، الذي سارع بالاختباء في غرفة منزوية بإحدى الدشم.. وعثر عليه.. فانهال عليه ضربا..

بقي أن نعلم أن كل الأسماء التي وردت في السطور السابقة ارتقت أرواحهم إلى بارئها، باستثناء "أبو الحجاج" الذي لم يلق من التكريم شيئا.. يكفي أنه ظل يعيش مع زوجته وأبنائه في حجرة واحدة، بدورة مياه مشتركة، عشرات السنين.. وقد ناهز السبعين، ولم يضجر يوما، ولم يتبرم.. وما زال يعمل "حداد مسلح" ليتمكن من توفير لقمة العيش يوما بيوم لأسرته.. ويحلم بأداء فريضة الحج؛ فهل يحقق له الرئيس عبد الفتاح السيسي حلمه البسيط؟

الجريدة الرسمية