رئيس التحرير
عصام كامل

سر الانتصار


بعد هزيمة 67 زار القاهرة الأديب الفرنسي جان جينيه، ولخص ما حدث لمصر بأنه نزل في فندق سميراميس، حيث المدينة خالية من السياح، واستقل تاكسي متوجها للأهرامات، ثم لاحظ أن السائق يخطئ الطريق.. وقال: "حينئذ فتحت له الخريطة، وأشرت له على الطريق الصحيح، فاكتشفت أنه أمي لا يعرف كيف يقرأ الخريطة، ففهمت لماذا انهزمت مصر"!


هذه الواقعة نقلها الأديب السوري سعد الله ونوس الذي التقى جينيه، وأجرى معه لقاء مطولا عن هزيمة يونيو.. فكان جل تركيزه على الأمية التي جاءت على رأس الأسباب المؤدية للنكسة.

ومقولة جينيه تؤكد عبقرية سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة في حرب أكتوبر، الذي انتبه إلى خطورة الأمية بمعناها الأوسع، فقام بتغييرات جوهرية في كل جوانب العسكرية المصرية، بدأت بنوعية ملابس الجنود، وطعامهم، وانتهاء بالفكر والتدريب العسكري المتقدم، فكانت النتائج مبهرة وتحقق النصر.

وكان الشاذلي عبقرية عسكرية فذة، سبق عصره بفكره وخططه في الحرب.. لكن بمجرد اختلافه مع السادات قامت حملات الهجوم ضده ولم تقعد.. فطاردت الرجل بسيل من الاتهامات والتشويه، وكأنها عادة مصرية فإذا اختلف أحد مع الحاكم يتبارى المنافقون في كل عصر في أداء مهمتهم على أكمل وجه، وكلما زاد أحدهم في نفاقه علت منزلته بين أقرانه من المطبلاتية والمتسلقين وأصحاب المصالح .. و مع مرور الزمن تزداد منزلة الفريق سعد الدين الشاذلي بين المخلصين لهذا الوطن، ممن قدموا تضحيات حقيقية.. في حين لم يعد أحد يذكر شخصا واحدا من الذين هاجموه من أجل إرضاء الحاكم والتقرب إليه ونيل رضاه..

فقد ذهب الحاكم والذين نافقوه.. وبقي الشاذلي حاضرا في وجداننا، متصدرا صفحات الوطنيين.. وسيبقى حيا تتذكره الأجيال القادمة كأحد أبرز عباقرة العسكرية المصرية على مدى تاريخها.. أما الذين شوهوه وحاولوا طمس الحقائق فهم الآن في مزبلة التاريخ يلاحقهم العار!

ويستحق الشاذلي أن يكون نموذجا للأجيال الجديدة في العسكرية المصرية.. فالرجل لم يسع للسياسة، ولا لمنصب، ولا شهرة، بل إنه أخلص لوطنه، وبذل العطاء دون أن ينتظر أي مقابل.

أما المنافقون فلهم في قصة الشاذلي عبرة لكنهم لا يعتبرون!!
الجريدة الرسمية