رئيس التحرير
عصام كامل

مستشارو الرئيس «عملاء لأمريكا»!!


الدكتور عصام حجي، الذي نجح في غزو الفضاء، فشل في غزو العقول المتحجرة القابعة في مكاتب الروتين.. والمهندس العالمي هاني عازر، الذي حفر أنفاقًا هائلة في ألمانيا، فشل في عمل «حفرة» صغيرة في عقل موظف «متجمد» من العصور الثلجية.. والدكتور مجدي يعقوب، الذي عالج قلوب العالم، فشل في علاج قلب موظف بالإدارة المصرية المتخلفة.

فكيف لعقول نجحت بالكاد، أو نجحت بالغش والتزوير، أن تستوعب ما يقوله عصام حجي ونظرياته «المكلكعة»؟.. وكيف لعقول تؤمن بنظرية «الفيمتوثانية»، وهي لا تعرف إلا بـ«الفيمتوسامية»؟!.. وكيف لعقول من العصر البدائي أن تستوعب ما تكشفه التكنولوجيا الحديثة كل لحظة؟.. وكيف لعقول «كسيحة، مقيدة» أن تجاري عقولًا سليمة، متحررة، منطلقة في آفاق وسماء الابتكار؟!

«تكفل الدولة حرية البحث العلمي وتشجيع مؤسساته، باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية، وبناء اقتصاد المعرفة، وترعى الباحثين والمخترعين، وتخصص له نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 1% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.. كما تكفل الدولة سبل المساهمة الفعالة للقطاعين الخاص والأهلي، وإسهام المصريين في الخارج في نهضة البحث العلمي».

حسنًا.. ما سبق نص «المادة 23 من الدستور» التي تشجع العلماء وترعى الباحثين.. لكن دعك من هذه المادة، وما تحويه من مفردات براقة.. فالكلمات رُصَّتْ بجوار بعضها؛ لتبدو الصورة «لامعة»، بينما الرؤية - في الحقيقة - قاتمة، «سوداء»، أسود من قلوب الموظفين «عبدة الروتين»!

فنحن لدينا خبراء في شتى المجالات، لكن لا نجيد تبجيلهم واحترامهم، قدر ما نبدع في إهانتهم وتشويههم.. لدينا علماء بـ«الكوم»، وباحثون «مرطرطون» في كل الهيئات والمؤسسات، لكن «مش عارفين نعمل بيهم أيه»، ونتعامل معهم كما يتعامل أمين المخزن مع «العهدة»!

منذ ما قرأت التقرير الذي أعده مركز «هردو»، لدعم التعبير الرقمي، بعنوان «البحث العلمي في مصر.. علماء بالجملة.. ورؤية غائبة»، ويتملكني غضب عاصف، ثورة داخلية جامحة تجتاحني، أريد الصراخ، أريد أن أمسك بتلابيب المسئولين، أعنفهم، «أرزعهم بالقلم على قفاهم، وبالشلوت على مؤخرتهم»؛ علهم يفيقون.

التقرير يؤكد وجود - خلي بالك من الرقم الجاي - «86 ألف عالم وباحث مصري في الخارج، من بينهم 1800 عالم في تخصصات نووية وفضائية نادرة»!

هذا الكم الهائل من خيرة العلماء والباحثين خسرناه، دون أن نذرف عليه دمعة، كما بكينا على خسارتنا في نهائي كأس «أم سلوى».. لم ننعهم إلى الشعب كما نعينا الفنانة اللولبية «جمالات أبو طاقية».. لم نتعاطف معهم كما تعاطفنا مع «شيكابالا».. لم تتحرك الدولة لحل مشاكلهم، كما تحركت لحل أزمة «عيل» بتاع كورة اسمه «أحمد الشيخ»!

هل نظام الحكم يريد «النهوض» بمصر، من خلال البحث العلمي، أم يسير على خطى أسلافه؟

لن أتورط في الإجابة.. فالرئيس «السيسي»، في بداية حكمه، استن سنة «حسنة»، بقراره الاستعانة بكبار العلماء من خلال «المجلس الاستشاري العلمي»، الذي كان يضم نخبة من علماء مصر في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي، والتعليم ما قبل الجامعي، والمشروعات الكبرى، والطاقة، والزراعة، والجيولوجيا، وتكنولوجيا المعلومات، والطب، والاقتصاد.. من بينهم: «أحمد زويل، عصام حجي، هاني عازر، إبراهيم سمك، محمد العريان، ونبيل جريس...».

قطعًا ستسألني: أين هم هؤلاء العلماء الآن؟.. دون تردد سأجيبك: «طفشوا»، أو «طُفِّشوا» عن عمد.. «نفدوا بجلدهم» من براثن الروتين والجمود والجهل والتخلف..

ولأن شعار المرحلة «بلاش وجع دماغ»، فإن موظفي «ما قبل التاريخ» نجحوا في «تطفيش» العلماء «أبناء الحداثة».. سلَّطوا عليهم غلمانهم من النشطاء والسياسيين والباحثين عن «البروباجاندا» يرشقونهم بالشتائم والسباب.. أطلقوا كلابهم تنهش في عرض وشرف ووطنية «زويل»، و«حجي»، و«يعقوب».. اتهموهم بالعمالة والولاء لأمريكا.. لوثوا ثيابهم النقية.. وجلسوا أمام سفهائهم يشربون «نخب الوطنية»!

هل هناك أمل في الاهتمام بـ«علمائنا في الخارج»؛ للاستعانة بهم في الداخل؟

مازالت لدىَّ بقايا من عقل تجعلني أوقن - يقينًا لا يخالجه شك - أن لا شيء سيحدث.. لن نجد مسئولًا يتحرك ليفعل ذلك، إلا إذا كانت لدينا القدرة والإرادة والإدارة المؤهلة لتحقيق ذلك فعلًا.. وأن يتم استبدال الفشلة في كل المواقع، بآخرين من ذوي الكفاءة.. فالدولة التي لا تهتم بعلمائها «القلائل» في الداخل، كيف تهتم بالكثير في الخارج؟!.. وكيف تهتم بهم الحكومة، وهي التي كانت سببًا رئيسيًا في «تطفيشهم»، و«اغتيالهم» معنويًا؟!!
الجريدة الرسمية