رئيس التحرير
عصام كامل

«الأمم المتحدة» ساحة كشف الأقنعة


تكتسب دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة أهميتها ليس فقط من أنها تجمع قادة العالم تحت سقف واحد، بل لأنها بمثابة ساحة للمبارزة في المواقف، كما أنها تكشف الأقنعة عن وجوه القادة على مرأى ومسمع العالم كله.


كلنا نعرف أن "الأمم المتحدة" تؤتمر بأمر أميركا، لكنها تبقى ولو اسما مظلة العالم أجمع، وتحت هذه المظلة لن ينسى العالم ما حدث مع رئيسة الأرجنتين كريستينا فرنانديز العام الماضي، عندما قطعوا عمدا البث التليفزيوني عن كلمتها التي زلزلت القاعة، لكنها مع هذا نالت احترام شعوب العالم لصدقها وشجاعتها، حيث اتهمت الأمم المتحدة بدعم الإرهاب، وقالت "أنتم من صنعتم الإرهاب، فبعد أحداث 11 سبتمبر استبحتم دولا وقتلتم أهلها مثل العراق وأفغانستان.. ثم دعمتم الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن وأوصلتم الإسلام المتشدد للحكم في بعضها لتضيع حقوق الشعوب ونكتشف أنه خريف بل شتاء، حيث غرقت هذه الدول في الإرهاب والفوضى، ومن اعتبرتم أنهم ثوار وجدنا أنهم أعضاء في داعش والقاعدة!!".

وفي العام الماضي أيضا حظي الرئيس السيسي بتصفيق غير مسبوق ووقف له الجميع احتراما لصدقه وقيمة مصر، وتكرر الأمر هذا العام مع الكلمة الثرية الجامعة وإطلاقه مبادرة "الأمل والعمل من أجل غاية جديدة" وهي تتمثل في اجتذاب طاقة الشباب بعيدا عن المتطرفين وأفكارهم المغلوطة، وتوظيف قدرتهم في بناء المستقبل، واعتبر الرئيس أن المبادرة هي "اليد التي تمدها مصر كأحد أوجه مساهمتها في التغلب على قوى التطرف والأفكار التي تسعى إلى نشرها بالعمل الإيجابي".

صدق الرئيس السيسي وجهده الخلاق جعل مجلة "Forbes" تختاره القائد الأفضل في أفريقيا، ولهثت خلفه وسائل الإعلام الأميركية مقروءة ومرئية لتحظى بلقائه، وكلها أجمعت على أن السيسي نجح في استعادة مكانة مصر الحقيقية بعد أن خرج عن التبعية الأمريكية، حتى أن الرئيس أوباما اضطر أن يترك مكانه على منصة الأمم المتحدة في قمة "مكافحة داعش" وذهب لمصافحة الرئيس السيسي تقديرا للجهود التي يبذلها في مواجهة الإرهاب.

نعرف أيضا الدور القبيح الذي لعبته أمريكا في الماضي لتفكيك الاتحاد السوفييتي الذي اكتوى بنار المؤامرة قبل الدول العربية بسنوات، من هنا نال الرئيس الروسي بوتين الاحترام عندما دان في كلمته "استمرار ما يسمى بتصدير الثورات الديمقراطية الذي لن يؤدي حتما إلى إحراز أي تقدم، ولكنه سيتسبب في تدهور الوضع في تلك الدول التي قامت بتنظيم الثورات مستشهدا بالوضع الذي آلت إليه بعض الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب الربيع العربي". كما رفض بوتين حضور قمة "مكافحة داعش" لعدم قناعته بجدية أمريكا في مواجهته وقال "إن أمريكا فشلت في مواجهة داعش طوال العام الماضي لكن روسيا ستواجهه وتهزمه خلال أسابيع".

ضحك العالم على كلمة تميم أمير قطر خصوصا في الجزئية التي قال فيها "توجد دول تساعد الإرهاب وهذا لن يساعد على حفظ السلام العالمي".. فالجميع يعرف أن قطر أكبر داعم وممول للإرهاب في العالم وتنفذ مؤامرة صهيوأمريكية!!.. وبعد سقوط قناع تميم، جاء دور سقوط القناع الأكبر عن أوباما، حيث بدا مرتبكا يقول الشيء ونقيضه كما لو كان مصابا بانفصام في الشخصية.

فقد كشفت نظراته أثناء كلمة الرئيس السيسي عن كره وحقد دفين، ثم يترك بعد ذلك المنصة ليصافح السيسي بحرارة واحترام!!

قبل أيام قليلة ذكر جون كيري وزير خارجية أمريكا أن لا مشكلة في استمرار بشار الأسد لمرحلة انتقالية كجزء من التسوية السياسية في سورية. لكن أوباما قال في كلمته بالأمم المتحدة "إن هزيمة داعش تتطلب زعيما جديدا في سورية، كما أدان دعم روسيا وإيران للطاغية بشار الأسد قاتل الأطفال"!!.. تحدث أوباما عن السلام والإنسانية ثم هدد بقوة أمريكا والسلاح غير المسبوق الذي تمتلكه وتستخدمه في حماية نفسها والدفاع عن حلفائها.. ولم ينس أوباما التطرق إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي الوقت ذاته أصر على عدم استمرار بشار الأسد في الحكم. وغيرها الكثير من التناقضات التي جعلت الإعلام الغربي يشير إلى أن سياسة أوباما المرتبكة تسببت في تراجع نفوذ أمريكا في الشرق الأوسط لصالح روسيا.. وهكذا تسقط أقنعة ومعها دول لتحل محلها أخرى أكثر صدقا.
الجريدة الرسمية