رئيس التحرير
عصام كامل

هل كان مؤلف «مدرسة المشاغبين» عميلًا لإسرائيل؟


عشرة أيام مرت على وفاة الكاتب المسرحي المبدع على سالم.. مؤلف مدرسة المشاغبين والمُطبع الأكبر لإسرائيل في المنطقة.. أو هكذا كان يصيح المعارضون له في كل مرة حاولوا فيها إهالة التراب عليه بدوافع شخصية.. تارة للبحث عن الأضواء على حساب آرائه وتوجهاته الفكرية.. وتارة أخرى للنيل من موهبته النادرة التي تفوق أضعاف كل من وجه له كلمة طعن أو تخوينا!


منذ آخر لقاء بكى فيه على الهواء وأفصح أن المملكة العربية السعودية هي التي تكفلت بعلاجه والتي كان يكتب في جريدتها الأشهر "الشرق الأوسط" ردًا على اتهامات البعض له بالعمالة لإسرائيل وتلقي منها أموال مقابل دعمه للسلام معها.. وأنا يومًا بعد الآخر أبحث عن لقاءات تليفزيونية قديمة للرجل بالإضافة لتلك التي سجلها في أواخر أيامه..وكأني اكتشفت فجأة أن هناك رجلًا كان يستحق المتابعة في زمنٍ غث لا تعرف لماذا يؤيد الناس أمرًا.. ولماذا يلعنونه !

رجل قرر أن يدفع فاتورة آرائه ومعتقداته السياسية والفكرية دون أن يكون له أغراض ومآرب شخصية وربما كانت هذه المعضلة هي لُب مشكلة "على سالم" !

قبل أربعة أعوام تعرفت عن قرب بأفكار الرجل السياسية من مقابلة له على قناة الجزيرة.. في وقت كانت تحرص فيه على استضافة كل الآراء قبل أن تتحول كليًا لصالح تيار بعينه وتصير خادمة في بلاطه.

بحثت وقتها بنهم عن كتابه "رحلة إلى إسرائيل" وعندما قرأته لم أكن مقتنعًا ببعض المبررات التي ساقها ولكني لم أملك مع ذلك إلا احترامه.

كنت مبتسمًا طوال قراءتي للكتاب من محاولته الدائمة زرع الحب والابتسامة والقفشات والنكات مكان الكراهية والسلام الحقيقي بديلا للنيران المشتعلة في الصدور.. وسعيه لوضع حل دائم يُريح الجميع بدلًا من سياسة اللاحرب واللاسلم بمعناها الغامض الغريب.. المثير للسخرية !

أدهشني بشدة رجلًا يحارب طواحين الهواء لهذه الدرجة من الوضوح والمكاشفة، بحثًا عن هوية مفقودة للعلاقات مع الدولة اليهودية التي تم زرعها داخل الشرق الأوسط منذ ما يقرب من مائة عام.. بداية من وعد بلفور وحتى رفع علمها على الأرض العربية.. مرورًا بالحروب التي لم يدفع فاتورتها كاملة إلا الشعب المصري بجانب أضرار أخرى للفلسطينيين والعرب بشكل عام.. مثلما كان يقول دائما على سالم !

وضعنا سالم في تحدٍ كامل مع أنفسنا أمام مرآة كاشفة تبرز حقيقة التناقض والعيوب في الشخصية العربية.. والتي تجعلنا نقبل بالسلام مع إسرائيل تجنبًا لويلات حرب لا نقدر مجتمعين على تحمل أوزارها ونتبادل البعثات الدبلوماسية والتفاهمات الأمنية معها.. ثم بمنتهى السهولة نذبح رجلًا قرر أن يكون مختلفًا وماهية اختلافه تتلخص فقط في تأييد ما رأته صحيحًا ـ الحكومات العربية!

كان الرجل يريد حلًا عادلا للفلسطينيين يضمن لهم الحياة والرفاهية في عالم لا يعترف بالشعارات الفارغة.. وذهب لإسرائيل "بسيارته" لتأييدهم ورئيسهم الراجل ياسر عرفات في مسعاهم للسلام والتي بلورتها اتفاقية أوسلو.. ولكنهم كانوا أكثر مَن نالوا من سمعته.. وأكثر من حاولوا تشويهه ولصق عار التخابر والعمالة لإسرائيل بشخصه !

كان على سالم رجلا مواجها شجاعًا.. على استعداد طوال الوقت لتحمل فاتورة أفكاره وقناعاته مقابل العيش في عالم أفضل يحتوي الجميع.. وبالفعل دفع ثمنها غاليًا وعاش معزولا عن تلقى أي جائزة عن أعماله التي ستظل خالدة في تاريخ المسرح المصري.. وربما هذا التكريم وحده يكفيه !

تنكرت له الدولة المصرية الرسمية مع أنه لم يفعل أكثر من تأييدها في مسعاها للسلام والمحزن أن من قاموا بتكريمه كانوا فقط.. الإسرائيليين والأمريكان !

وقبل أن تقودك دوامة المؤامرة لتقول إن التكريم دليل واضح على عمالته لهم.. عليك أن تعرف أن الرجل لم يطلب يومًا التنازل عن القضية أو التبرع بجزء من الأرض لإسرائيل.. ولم يطلب أن يكون هناك تضحية بالفلسطينيين مقابل التودد لليهود.. بل كان حريصًا عليهم ربما أكثر من أنفسهم هم وكتائب المُنظرين والمتاجرون بهم وقضيتهم على حدٍ سواء.

رحل على سالم عن دنيانا لعالم آخر في الغالب كان جزءًا من أحلامه.. رحل وعرّفنا جيدًا أن نزاهة الغرض في تبني المواقف متوقفة على مجتمع يفهمها.. وأن الوضوح والصراحة في الرؤى ـ وإن لم تكن صحيحة ـ أثقل بكثير على مجتمعاتنا العربية من تقبل " الرياء والنفاق والمماحكة " !
الجريدة الرسمية