رئيس التحرير
عصام كامل

هل خذل السوريون سوريا؟!


تقول القاعدة الدولة ثم المؤسسات ثم الحرية، لا يمكن أن تتخطى واحدة الأخرى، أن تسبقها في الترتيب فيختل الميزان وتتبدل الأولويات، حتى الثورة تنصهر هي الأخرى في هذا المفهوم فيكون هدفها هو تغيير جذري في المؤسسات والأفكار التي تسيطر عليها لكن دون المساس بالدولة.


ألمانيا تستقبل اللاجئين السوريين بأعداد كبيرة تقدم لهم الخدمات «ألمانيا بتحب البشر جدًا» أما ميركل فقد طلبت ترجمة 20 مادة من الدستور من أجل السوريين فقط، وأنت تقرأ هذا الكلام عليك أن تعلم جيدًا أن ألمانيا تقدم المعونات المالية السنوية لإسرائيل تحت اسم اعتذار عن الهولوكست كما عليك أن تدرك أن ألمانيا التي تتحكم في الاقتصاد الأوربي حاليًا هي من ترعى دولا مشاركة في قتل السوريين!

إذا كنت من سيرددون مقولة ثورة سوريا فأنت ما زلت تقف عند حدود 2011 فلا تكمل هذا السطور، وإن كنت ترى أن بشار الأسد يستخدم البراميل المفتجرة ضد شعبه فأنت ما زلت تقف عند حدود 2012 فلا تكمل أيضًا هذه السطور، الأمر الآن تخطى إلى سوريا، إلى الدولة التي لا يمكن أن يتخطاها ثورة أو نظام أو حتى رئيس، المعادلة الآن دولة أو لا دولة، قد يفهم البعض أن هناك دفاعًا مني عن بشار وأنا أراه قاتلا يستحق الإعدام ألف مرة لكن من يهللون إلى وجوب محاكمة بشار الآن هم نفسهم الذين يدركون أن القادم لا دولة على غرار ليبيا.

سوريا تختلف عن هذا كله، من يعرف تاريخها يدرك أنها دولة مركزية كانت صاحبة جيش قوي، وتأثير إستراتيجي، فهي الشام ولا شام دونها، وهي مهد حضارة لها تاريخ بين حضارات الدولة، فجأة هدمت تلك الدولة، تم تدميرها، حاوطتها الجماعات من كل ناحية، والأدهى من ذلك أنه لم تجد من يدافع عنها، تراها غاضبة الآن وهي ترى أولادها يهربون إلى الموت في الشواطئ علهم لا يموتون فيها، أي جريمة ارتكبتها دمشق، وأي ذنب اقترفه المسجد الأموي لذلك؟!

لا يمكن أن يضع أحدنا نفسه موضع مواطن سوري ضربته داعش بالبراميل المتفجرة، وضربته النصرة بالبراميل المتفجرة، وحلقت طائرات النظام فوقه لترميه بالبراميل المتفجرة، لا يمكن أن يتصور أحد مدى فجيعة مواطن يذهب للموت بنفسًا راضية مثل ما يفعله السوريون الآن، لكن السؤال الذي يلح على منذ أن رأيت أبواب ألمانيا فتحت فجأة على مصراعيها بكل أنواع العطف على المواطنين السوريين هو هل بدأت عملية تفريغ سوريا من خلال سحب مواطنيها إلى دول بالخارج وتسهيل إجراءات إقامتهم بصفة شرعية، والأهم من ذلك هل خذل السوريون سوريا حتى وصل الأمر إلى الاستنجاد بمواطني روسيا ليحافظوا على عاصمة الدولة الأموية؟


الطلاسم في الأزمة السورية لا يمكن فكها لكن ملامحها تؤكد أن بشار لم يعد طرفًا في الصراع هو ورقة في يد قيصر روسيا وعمه الملالي إذا من يظنون أن بشار يملك قراره الآن هو واهم، ومن ظن أن الجميع يريد أن يتمسك ببشار فهو أكثر وهمًا، إن التمسك بسوريا بدا واضحًا في تحركات الدب الروسي الذي أعلن أن سقوط شريط اللاذقية ودمشق خط أحمر، طبعًا لبوتين حسابات أخرى تتمثل في مد خطوط الغاز إلى أوربا ومن ثم كسر الحصار الاقتصادي بالإضافة إلى الحفاظ على حليف إستراتيجي مهم في الشرق الأوسط، المهم الآن أن الصراع أصبح على سوريا وأن بشار ليس طرفًا فيه وأن اللعبة دولية تشترك فيها روسيا وإيران وأمريكا والسعودية وفرنسا، لا يمكن أن تتركوا كل ذلك وتتمسكوا في نظرية بشار رئيسًا أم لا نتحدث عن دولة بشار- سيزول ولا شك- لكن هل سيزول وتبقى سوريًا أم ستزول سوريا ويبقى بشار؟

تقول التقديرات إن مقاتلي داعش 60 ألفا، وباقى الجماعات التكفيرية لا تتعدى الـ60 ألفا، المجموع الكلي 120 ألفا، الجيش السوري يعاني نقصا في الأعداد رغم أن سوريا كانت زاخرة دومًا برجالها، هنا تأتي المشكلة، السوريون يرفضون أن يحاربوا من أجل بشار «هذا حقهم» لكنهم يرفضون أيضًا أن يدافعوا عن سوريا ذلك هو المنظور الآن بل إنهم يكررون خطأ اللبنانيين في الحرب الأهلية حينما تركوا بلادهم لتعاني بيروت حرب الـ15 عامًا أسفرت على احتلال جنوب لبنان من جيش الاحتلال! لكن سوريا ليست لبنان إنها صيد أثمن بكثير، الاختيار الآن بين الحرب من أجل سوريا أو تركها بالكامل علمًا بأن إجراءات كل الدول التي تشارك في قتل السوريين كل يوم لن تمنح للسوريين يومًا من أيام دمشق !
الجريدة الرسمية