ومازلنا نمارس الغش والخداع
كان الشعب المصرى رائعًا ومذهلا ومدهشًا عندما قام بثورتين عظيمتين، ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، لكن عقب الثورتين انكشف المستور، وأظهر الشعب أسوأ ما عنده..
لذا، يقال إن الشعب المصرى تظهر عراقته وأصالته وقت الشدة وفى الأزمات، فإذا زالت الشدة وانفرجت الأزمة، عاد مسرعًا إلى سابق عهده من كسل وتراخٍ وتدين مغشوش وتواكلية وأنانية وانتهازية، كأنه لا يستطيع أن يعيش بعيدًا عن هذه المنظومة المخلة والهابطة.. اعلم أن هذه المنظومة هي في الحقيقة عبارة عن تراكمات لمئات السنين ذاق فيها الشعب ألوانًا شتى من العنت والقهر والمعاناة..
واعلم أيضًا أن هناك من يسعى أو يخطط لكى يظل الشعب المصرى على هذا الحال السيئ، على اعتبار أن نهضة الشعوب العربية مرهونة بنهضة شعب مصر.. لكن المشكلة الكبرى تكمن في هذا الاستسلام المزرى والمخجل لما يريده لنا أعداؤنا وخصومنا.. فهل وصلنا إلى مرحلة أو نقطة اللاعودة؟! وهل لابد من شدة أو أزمة تستمر لأطول فترة ممكنة حتى يظهر الشعب معدنه الأصيل؟ يقال لتفسير هذه الظاهرة إن الشعب المصرى نفسه قصير، وإنه اعتاد على الانتفاض، ثم العودة مرة أخرى إلى النوم العميق.. والحقيقة أننا نمارس طول الوقت الغش والخداع في حق أنفسنا..
نحاول أن نبرر لأنفسنا ولغيرنا أن ظروفنا قاسية، وأن أحوالنا صعبة، وأن التركة التي ورثناها خربة.. لكن من الواضح أننا كشعب ليس لدينا الشجاعة الكافية للمواجهة والتصحيح.. ولماذا نصحح ونحن نعتقد - حقيقة أو وهمًا - أننا أفضل الشعوب، وأننا الذين علمنا العالم، وأننا من أذكى شعوب الدنيا، وأننا أصحاب حضارة سبعة آلاف عام؟ لابد أن نقف وأن ننظر إلى أنفسنا وأين نحن من شعوب العالم، على الأقل من أجل الأجيال القادمة؟ لقد كانت هناك شعوب تقف خلفنا، فأصبحنا الآن نلهث خلفها، وغير قادرين على اللحاق بها..
لقد أخذت هذه الشعوب بأسباب النهضة والتقدم، وكانت لديها الهمة والعزم والمثابرة والإصرار، فتحقق لها ما أرادت.. أما عندنا، فالهمة نائمة، والعزم غائب، والمثابرة في إجازة، والإصرار في "عافية".. لذا، ليس عجيبًا أن يكون التعليم زفتًا، والصحة قطرانًا، والزراعة هبابًا، والصناعة طينًا.. وليس عجيبًا أيضًا أن ترى الفساد - بكل أشكاله وألوانه - يضرب أطنابه في معظم أجهزة الدولة، والبيروقراطية العتيدة تقف سدًا منيعًا أمام أي تقدم، والعامل المصرى في أمس الحاجة إلى إعادة تشكيل وصياغة من جديد..
لا أحد يتقن عمله، ولا أحد يؤدى واجبه بأمانة، أو نصف أمانة، أو حتى ربع أمانة.. المهنية أو الحرفية تكاد تكون غير موجودة.. انظر إلى المباني، ونشع الصرف الصحى على جدرانها.. انظر إلى تلال القمامة في الشوارع وعلى النواصى.. انظر إلى مياه النيل والتلوث البشع الذي أصابه.. انظر إلى انتهاكات القانون في كل مناحى حياتنا.. انظر إلى هذا الانفلات الذي تخطى كل الحدود والأعراف والتقاليد على المستوى المجتمعى العام..
لكن الذي ينظر إلى المؤسسة العسكرية المصرية يجد عجبًا.. ويتساءل لماذا هي على هذا النحو المتقدم والراقى، وهى نبت مصرى، بينما تبدو المؤسسات الأخرى على هذا النحو المتخلف والمتردى؟ لن أتحدث عن الدور الذي تقوم به المؤسسة العسكرية في مواجهة الإرهاب، لكن دعنا نقارن بين شبكة الطرق التي تنشئها شركات خاصة أو عامة، وتلك التي تنشئها هذه المؤسسة.. سوف تجد فارقًا بين الثرى والثريا.. يا سادة.. هل من الممكن أن تتحول هذه المؤسسات إلى شبه مؤسسات عسكرية، حيث الجد والانضباط والدقة والصرامة والروح القتالية؟