الكعبة وحرمة دماء المسلمين والفقه الجديد!
كان الرسول عليه الصلاة والسلام يطوف بالكعبة، كما روي ابن عمرـ وهو يقول: "ما أطيبك وأطيب ريحك وما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك ماله ودمه وأن يظن به إلا خيرًا".
لا دهشة من كلام الرسول الكريم في أن يجعل حرمة الدماء أكبر من حرمة الكعبة.. لكن الدهشة أن ينحرف المسلمون في فهم دينهم ويحسبوه دينا قاسيا حادا تعاليمه صارمة يسبق فيها العقاب الرحمة والمغفرة على عكس الإسلام تمامًا وها هو أعلاه كلام رسول الإسلام نفسه عليه الصلاة والسلام !
أما قصة العابد الزاهد المجتهد عبد الله ابن المبارك فلها العجب حتى لو رفضها البعض إذ أنها في الأول والأخير مستوحاة من تعاليم وقيم الإسلام نفسه الذي يجعل النيه وحدها محلا للحساب.. والقصة مروية في مصادر عديدة ملخصها أن ابن المبارك اعتاد الحج عامًا بعد عام.. وفي إحدى الحجج وجد في طريقه إلى مكة وبالقرب من إحدى المغارات سيدة تحاول أن تذبح قطة لتصنع منها طعامًا فاقترب منها وقال الآية الكريمة "إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به"، فردت السيدة وقالت "فمن اضطر غير باغٍ ولا عاد فلا إثم عليه، فأدرك أنها تفعل ذلك لفقر إصابها فسألها فأخبرته أن تقوم على أطفال أيتام لا رزق لهم.. فأعطاها ابن المبارك ما معه من أموال إلا ما يعيده إلى بلده، ولد في خراسان وعاش بين الدولتين الأموية والعباسية، والغي الحج وعاد إلى أهله.. وبعد انتهاء موسم الحج وعاد الناس وجد من يزوره للتهنئه.. فأخبرهم أنه لم يذهب للحج.. فقالوا فرادي وجماعة: "كيف وقد رأيناك على عرفات.. ورأيناك في الطواف.. ورأيناك بين الصفا والمروة.. إلى آخره "فأدرك وأدركوا أن الله يجازيه على حسن ما فعل مع السيدة الفقيرة !
وعند أهل الفقه يعرفون أن في الصلاة يقرأ الإمام السور نيابة عن المصلين الذين يرددون "آمين" دون أن يقرءوا على رأي أغلب الفقهاء والفتوى جاءت من استنتاج مهم للإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان من دعاء سيدنا موسى إلى الله رب العالمين بينما جاء الرد منه سبحانه بقوله "قد أجيبت دعوتكما" فكيف يقول القرآن "أجيبت دعوتكما" بينما الداعي موسى وحده ؟ يقول أتباع أبو حنيفة أن سيدنا هارون كان يؤمن على دعاء موسى بقلبه، وبالتالي جاء الرد عليهما معا، وبالتالي فالنية والتي مكانها القلب هي الأصل في الحكم على كل سلوك المؤمنين وأولها عباداتهم !
الخلاصة: نحتاج ثورة فقهية أو الفقه الجديد الذي نسمع عنه منذ سنوات طويلة جدا.. بينما لا شيء يتم وتوقف الاجتهاد تمامًا وأغلق بابه نهائيًا وأصبحنا مقلدين لا مجددين. .بينما ظروف العصر تحتاج أحكامًا وفتاوى جديدة تيسر للناس دينهم وعباداتهم.. وتدرك أن حرمة دماء المسلمين أهم من حرمة الكعبة، وبالتالي فهي أهم من مناسك الحج وبالتالي لا يمكن قبول فهم الحجاج ولا طريقتهم في رمي الجمرات، وهو ما يحتاج إلى اجتهادات جديدة تخفف على الناس ولا تتجاهل قيمة "النية" ولتكن حفظ الأرواح والدماء أولا كأن يتم التوسع في فتوى تفويض رمي الجمرات وتنظيمه أو التوسع في الوقت المحدد للرمي فالمعني رمزيًا في كل الأحوال وليس تجسيديًا بضرب إبليس بالمعنى الحقيقي وإنما بمعناه المجازي..
فحفظ النفس من المقاصد الأساسية للشريعة الإسلامية تأتي في مقدمتها وتسبق أي مقصد آخر !
اللهم بلغت اللهم فاشهد..