فَسَدوني وباين في عينيهم.. خَلِّيها على الله!!
واقع الحال لا يشير بل يؤكد أن جذور الفساد ضربت في أعماق وجنبات مواقع حكومية بصورة يعجز المرء عن حصرها، ويصعب اجتثاثها على مدى قريب، وكان الله في عون السلطة التي بدأت معركة مواجهة الفساد، وهي مثل كل المعارك تعرف بدايتها لكنك لا تعرف كيف ومتى تنتهي.
الظاهرة العجيبة.. أننا لم نعد نأبَه بأخبار الفساد.. تمر علينا دون أن تحرك فينا شعرة دهشة أو حتى همهمة امتعاض.. نكتفي بإطلاق "حتة إسكندراني" سريعة وكان الله في عون المختومين.
الفساد صار معتادا.. ومن غير المألوف أن تكون شريفا.. أضحى النظيف عبيطا.. وصار تقاضي الرشوة والابتزاز وتسهيل الاستيلاء على أموال الدولة شطارة ومَعْلَمة وجدعنة.. صار المتهرب من قضية نفقة وتبديد عفش زعيمًا وطنيًا يهتفون له اثبَت اثبَت يا بطل سجنك بيحرر وطن!.. صار أولاد المتهم بالابتزاز والمضبوط بالصوت والصورة والريحة لا يخجلون من رفع راية الفخر بأبيهم!
في ظل هذا المناخ ليس ببعيد أن ينظم وزير التنمية المحلية السابق ــ وما أدراك ما المحليات ــ مهرجانًا ضخمًا لتكريم موظف محليات تمكن بعزيمة نادرة أن يمتنع عن تلقى رشوة لمدة 3 ساعات، ثم عاد إلى طبيعته بعدها، ضاربًا بذلك الرقم السابق المسجل باسم موظف تمكن من الامتناع عن تعاطي الرشوة لمدة 3 ساعات ورُبع الساعة في عهد مبارك.
ولأن الريادة مسجلة باسمنا منذ أول الزمان.. أستطيع القول إننا أصحاب ابتكارات غير مسبوقة في الفساد.. من أول الرشاوى وتسهيل الاستيلاء على أموال وأراضي وثروات البلد وتمرير الصفقات المشبوهة والغش في الامتحانات والغش التجاري وبيع قشر البطيخ المقلي على أنه سمك مقلي كُل وبَرَّق لي، إلى آخر قوائم الفساد الذي يسجل في أدنى تصنيفاته سَبُّوبَات المؤتمرات، مثل ذلك المؤتمر الذي تعقده كلية طب بيطري وتهبُر على ذمته مكافآت ضخمة وتعلن أنه مؤتمر عالمي للبحث عن الاسم العلمي للزريبة.
اِسْرَح قليلا في قضية مريم طالبة الصفر الشهير في الثانوية العامة، لتعرف إلى أي مدى وصل الفساد حتى تعفن ضمير البشر.. دعني اُذَكِّرُك مرة أخرى بتاريخ الفساد المرعب من أوراق عمنا العظيم بيرم التونسي.. عندما انتقد فسادا وسفه إنفاق المجلس البلدي بالإسكندرية (يعني مجلس المدينة الآن) على أحد الكباري من 80 سنة يا محترم، فاختتم رباعيته النقدية بالبيت التالي موجهًا خطابه للمجلس البلدي: تاخد فلوس الناس تبعتر فيها عالكوبري؟/ بَدَل ما تاخد فلوس الناس تعالى خد كوبري.. والله من وراء القصد.