رئيس التحرير
عصام كامل

الإعلام واستعادة الذاكرة


لا يبدو المشهد السياسي في مصر مبشرًا رغم وجود حكومة جديدة، فاختيار رئيس الوزراء واجه عاصفة إعلامية كان أبرزها انقلاب إبراهيم عيسى الذي قال بإن الرئيس لم يتعلم من درس اختيار محلب، وسبق ذلك غضب مكتوم عن الفساد الذي طال وزير الزراعة في حكومة المهندس إبراهيم محلب، وانتقادات لطريقة اختيار الوزراء أدت بالدكتور عمار على حسن الكاتب والباحث السياسي إلى القول بأن "مصر الآن تسير في عدم التجديد بالنخبة السياسية"، وأنه تم إقصاء "أي شخص عرف بمعارضته للسلطة حتى وإن كان من زمن بعيد".


وسبق أن واكب ذلك الدعوات لتغيير الدستور وهي الدعوة التي أصابت كثير من الإعلاميين بالدوار، وأغلب الظن أن الدعوة لتغيير الدستور كانت بلونة اختبار لقياس ردة الفعل، وقياس درجة حرارة الشارع والمشهد الإعلامي. المشهد السياسي الذي بدا مخيبًا للآمال ومحبطًا واكبه استعادة بعض الإعلاميين لذاكرتهم بأنهم كانوا من حفروا أنفاق ثورة 25 يناير، ومهدوا الطريق لثورة 30 يونيو. المشهد نفسه أعاد تذكير الناس بالطبالين من الإعلاميين الذي أصبح المصريون يعرفونهم "نفر نفر".

المشهد السياسي بدا وكأنه لن يتغير حاله بعد أن تنازل السياسيون ومن قبلهم الإعلاميون عن كثير من مكتسبات ثورتين، بعدها أصبحت الدعوة لقائمة حزبية في "حب مصر" استفتاء على حبك لمصر، وليس على استنساخ اتحاد اشتراكي جديد، فالديمقراطية تقوم على التعدد وليس على المركزية، ولما فشلت قائمة في حب مصر أصبح "تجديد النية" مطلوب للدستور. المشهد نفسه أدى إلى صمت إعلاميين منذ فترة طويلة حيث اكتفوا بالتغريد على تويتر ومع ذلك لم يسلموا من تهمة خيانة الوطن، أو إلى نشر مقالات على قاعدة "حسب الأحوال" أو "حسب الجريدة"، فما ينشره عمرو حمزاوي في جريدة الشروق يختلف عما ينشره في جريدة العربي الجديد.

استعادة الذاكرة دفعت بالدكتور عمار على حسن إلى إجراء اتصالات مع عدد من الشخصيات الوطنية لتدشين جبهة للدفاع عن الدستور أو ما أسماه "محاولات التحرش بالدستور"، وأغلب الظن أن الدعوات لتغيير الدستور ستتوقف، لأن هناك طرقا أخرى للوصول للغاية من تعديل الدستور، فالمعركة القادمة ليس معركة تغيير الدستور، ولكنها معركة مجلس الشعب.

فجديد المشهد السياسي هو مجلس شعب شبيه بمجلس أحمد عز...قد يبدو ذلك صعبًا وبخاصة بعد اختبار القنبلة الصوتية لتعديل الدستور ولكنه ليس مستحيلًا...لا تسألونني كيف لمصر 25\30 أن تأتي بمجلس يؤيد كل ما يعرض عليه من قوانين وتعديلات، أو أن يقترح أعضاؤه تعديلات تعيد مصر إلى ما قبل ثورة 25 يناير، فكل شئ في السياسة جائز، فطالما أن الناس ستنتخب والأصوات ستكون في الصناديق فلن يجد معارضو تغيير الدستور ما يفعلوه في وجه نواب يمثلون الشعب ويرغبون في تعديل الدستور، فنواب "الشعب" يعبرون عن الشعب.

وقتها سيدرك معارضو تغيير الدستور من الإعلاميين أن الطريق نحو الديمقراطية كان يتطلب مساندة الأحزاب السياسية في مطلبها بأن تشكل القوائم النسبية الهيكل الأساسي للانتخابات البرلمانية وألا تتجاوز الانتخابات الفردية نسبة 20%. لكن ما حدث أن الإعلاميين تعاملوا مع قانون الانتخابات بشكل لا يعكس الدور الذي ينتظر مجلس الشعب الجديد.

لم يعد دور الإعلامي يقتصر على المراقبة والتحليل، فهو مثله مثل رجل السياسة قادر على التغيير، ومن الغريب أن يتجاهل الإعلاميون حقيقة أن السياسة مثل مبارة كرة القدم لا يمكن أن تخسرها عندما يضم خط الهجوم لاعبين من أمثال باسم مرسي ورمضان صبحى وكهربا، وعندما يكون خط دفاعك مثل خط دفاع فريق "لميكرونيزيا" الذي خسر أم فريق "فيجي" بـ 38 هدفا في بطولة الأوقيانوس، وليت الأيام تثبت خطأ حدسي، وغدا ليس ببعيد.
الجريدة الرسمية