حاكم «سفاح» و«ابن نكتة»؟!
كان الحجاج بن يوسف الثقفي، قائدًا أمويًا داهية، وخطيبًا مفوهًا، وحاكمًا «سفاحًا»، لا يكف عن سفك الدماء، وضرب أعناق مخالفيه، أو الذين يحاولون الخروج على الدولة، وهو ما أدانه كثير من المؤرخين.
لكن ما لا يعرفه كثيرون عن «الحجاج» أنه - بالإضافة إلى كل ما سبق- كان «ابن نكتة»- بلغة عصرنا- إذ إنه كثيرًا ما عفا عن أشخاص، وأطلق سراحهم؛ لإعجابه بـ«حسن تصرفهم».
****
تروي كتب التاريخ أن امرأة جاءت إلى «الحجاج» تلتمس أن يُطلِق صَراح زوجها وأخيها وابنها الذين كان قد أسَرَهم بعد انتصاره في معركة وادي الجماجم، فقال لها׃ مادامت لك الشجاعة لتواجهي الأمير فإني سأقبل أنْ أفرّج عن أحدِهم فأيّهم تختارين? فكرت المرأة لوهلة ثُم قالت׃ الزوج موجود والابن مولود والأخ مفقود، أختار الأخ. فأُعْجبَ الحجاجُ بجوابها وأفرج عن الثلاثة.
***
ومما يُروى عن «الحجاج» أيضًا أنه أمر اثنين من غلمانه أن يمثلا بين يديه، وأمر كل واحد منهما أن يهجوَ الآخر، وكان أحدهما أسود البشرة والثاني أبيضها فقال صاحب البشرة السوداء׃
ألَمْ ترَ أنّ المسكَ لا شيءَ مثله.. وأن بياضَ اللفتٍ حٍمْل بدرهم
وأنّ سوادَ العينٍ لا شك نورُها.. وأنّ بياضَ العين لا شيءَ فاعلم
فقال صاحب البشرة البيضاء׃
ألمْ ترَ أن البدرَ لا شيءَ مثله.. وأن سواد الفحم حِمْل بدرهم
وأن رجال الله بيضٌ وجوهُهم.. ولا شك أنّ السودَ أهلُ جهنم
فضحك «الحجاج» وأعتقهما معًا.
***
وحُكِي عن «الحجاج» أنه خرج يومًا متنزهًا، فلما فرغ من نزهته صرف عنه أصحابه وانفرد بنفسه، فإذا هو بشيخ من «بني عجل»،
فقال له: من أين أيها الشيخ؟
- من هذه القرية.
- كيف ترون عُمالكم- أي حاكمكم-؟
- شر عمال؛ يظلمون الناس، ويستحلون أموالهم.
- فكيف قولك في الحجاج؟
- ذاك، ما ولى العراق شر منه، قبحه الله، وقبح من استعمله.
- أتعرف من أنا؟
- لا.
- أنا الحجاج.
- جُعلت فداك، أو تعرف من أنا؟
- لا.
- أنا فلان بن فلان، مجنون بني عجل، أصرع في كل يوم مرتين.
فضحك الحجاج منه، وأمر له بصِلة.
****
وكان الحجاج يوما يسبح في نهر وأخذه التيار بعيدًا عن الشاطئ، وكاد أن يغرق في النهر، فصاح بأعلى صوته: «انقذونى»، فلم يسمعه الحرس. ولم يسمعه إلا شاب فقير وكان الشاب لا يعرف «الحجاج»؛ فقفز مسرعًا نحوه وأنقذه.
فنظر إليه الحجاج وقال له: تَمنَ عليَّ. فقال الشاب: ماذا أتمنى من رجل عارى الجسد، لا يملك شيئا. فقال الحجاج: تَمنَ وستجد ما تتمناه. ألا تعلم من أنا؟ قال الشاب: لا. فأفصح الحجاج عن نفسه، ففزع الشاب، وقال: الآن أتمنى عليك. فقال الحجاج: اطلب ما تريد. فقال الشاب: أسألك بالله عندما يسألك القوم من أنقذك فلا تخبرهم عني، وهذا ما أتمناه.
فضحك «الحجاج» وانصرف.