رئيس التحرير
عصام كامل

السيادة سيادة تشاركية!!


كتب الدكتور حسن حنفي، يوم الخميس 10 سبتمبر الجاري، على صفحة الرأي في المصري اليوم، مقالًا بعنوان: "جهة سيادية.. لمَن على مَن؟"، أحاط الغموض بمفهوم السيادة وأثار الكثير من التساؤلات حول مسئولية الكثير من المؤسسات الأمنية ومنها: جهاز المخابرات العامة، سواء على مستوى المعلومات أم الإجراءات الوقائية، وحتى القرارات الكبرى.


وقد ترك المقال حالة من الضبابية حول مسئوليات أجهزة أمنية كبرى، مشيرًا إلى أن هذه الجهات السيادية وراء هذا الغموض للأحداث والقرارات، وقبل أن نعرض للموضوع بالتحليل، والرد حق لكل مواطن ما دام الموضوع محل نقاش، ولإجلاء حقائق كانت غائبة عما طرحه أستاذنا د. حنفي.

إن مفهوم السيادة علميًا لم يكن مثيرًا للجدل، بل تطور منذ القرن الثامن عشر، وقال عنه "جان بودان": إنه لا يتجاوز كونه تعبيرًا عن إرادة صاحب السيادة التي ينبغي أن يخضع لها الجميع، أما "توماس هوبز" فدعا إلى تركيز قوة الإرغام في يد حاكم واحد، وكلاهما ركز على السيادة الداخلية من منطلق حماية النظام والاستقرار، لكن "جان روسو" طرح السيادة الشعبية بمعنى ربط السيادة بالديمقراطية، ودعا "جون أوستن" إلى ربط السيادة البرلمانية بالسيادة الدستورية، وكل هذه الاتجاهات أجمعت على تركيز السيادة في جهة واحدة.

لكن مبادئ الديمقراطية الليبرالية المعاصرة تتناقض مع ما ذكر من مفهوم السيادة المطلقة، ودعت هذه المبادئ إلى توزيع القوة بين عدد من المؤسسات، بحيث لا تستطيع إحداها الادعاء بالسيادة المطلقة، وهو ما يقوم على التشارك في السيادة في بلاد الغرب والبلدان الديمقراطية، وهي في العالم الثالث بدرجات نسبية ارتباطًا بعوامل كثيرة منها: حالة الوعي، طبيعة التهديدات، قوة المؤسسات الداخلية.. وغيرها.

وبالعودة إلى ما ذكره د. حنفي، نجد أن السيادة ينبغي أن تستمد مصدر قوتها من القانون، وهو الصواب بعينه.. وفي الحالة المصرية تأسست الكثير من المؤسسات الأمنية والرقابية في ظروف غير طبيعية، صاحب نشأتها حالة تهديد مباشر لأمن الوطن، ما استدعى أن يكون تبعيتها مباشرة لرئاسة الجمهورية، وفي إطار من المحددات منها: سلطات رئيس الجمهورية التي حددتها الدساتير منذ قيام ثورة يوليو 1952، وحتى التعديل الدستوري الأخير 2013 / 2014، وكان ذلك واضحًا وجليًا ودقيقًا للغاية في قانون المخابرات العامة رقم 100 لسنة 1971م، الذي لم يشر إليه المقال من قريب أو بعيد، وقد صدر القانون بعد تعديل لقوانين سابقة منذ تأسيس الجهاز في منتصف الخمسينيات، إلا أن هذه القوانين أجمعت على أن يكون تبعيتها مباشرة لرئيس الجمهورية بهدف ضمان نجاحها وضمان سرعة الإنجاز، خاصة أنه كان هناك ثورة مضادة داخليًا وخارجيًا، وتطلب الأمر آنذاك الحفاظ على مكاسب تم إنجازها، وتطلب الأمر حمايتها، وهو أمر طبيعي ومنطقي.

وتكرر ذلك في إنشاء أجهزة مثل: هيئة قناة السويس بعد تأميمها والرقابة الإدارية واتحاد الإذاعة والتليفزيون، ولم تكن التبعية للرئاسة بهدف السطوة أو السيطرة، بقدر ما كان الهدف توفير سبل النجاح لهذه المؤسسات وبشكل مؤقت؛ حتى تستقيم أمور كثيرة، ولكن في عالمنا الثالث عادة ما يتحول المؤقت إلى دائم، وهو ما زال قائمًا لنفس الأسباب، وقد طرأ الكثير من التغيرات على هذه القوانين؛ حماية والتزامًا بالدستور والقانون.

فقانون المخابرات العامة شأنه شأن قانون العاملين في الدولة، أصحاب الكادر الخاص مثل: القضاء والقوات المسلحة، فقد حدد القانون في مادة (5) صفة الضبط القضائي - وحددت المادة (14) شروط المرشحين للعمل بالجهاز، وهي الأدق في الاختيار على مستوى الدولة؛ باحثة عن الكفاءة والجدارة دون تفريق أو تميز، أما المواد من (51) إلى (65)، فقد ركزت على المحاسبة القانونية والمحاكمة التأديبية للمخالفين للوائح، وهي الأقسى في تاريخ قوانين العاملين بالدولة، وفي المادة (70) حولت بعض المخالفات للقضاء العسكري، وفي مادته (76) مشروع الميزانية يعرض على رئيس الجمهورية، وفي المادة (80) حددت سلطات الجهاز المركزي للمحاسبات بنظام المراقبة المالية، وما عرضته من مواد قانونية يؤكد أن جهاز المخابرات العامة ليس دولة داخل الدولة كما ذكر د. حنفي في مقاله.

وغير خافٍ أن العديد من وزراء فترة حكم مبارك شوهوا مفهوم الأمن القومي، مدعين تبعيتهم المباشرة لرئاسة الجمهورية، بل كان هناك لزمة في أحاديث أغلب الوزراء بحق وبباطل "إنه بناء على توجيهات رئيس الجمهورية"، تكرر ذلك على ألسنة وزراء عديدين، منهم وزراء إعلام سابقون وغيرهم.. بل بلغ الأمر ذروة الإساءة بإعلان رئيس مجلس الشعب، وهو رجل قانون، أن المجلس سيد قراره رافضًا تنفيذ أحكام قضائية، ومن هنا بدأ الخلط الذي كتب عنه د. حنفي، وهو ليس تعميمًا في كل الأحوال من توسيع لاستخدام مصطلح السيادة الذي ذاع إعلاميًا، وكان صمت رئاسة الجمهورية مريبًا حول تلك التصريحات غير الدستورية وغير القانونية، بل رأت أنه يمكن أن يستفاد منها لضرب خصومها طوال 3 عقود.

أما الحديث عن أن هذه المؤسسات الأمنية خلف منشآت يسكنها الشياطين وربطها بزوار الفجر، فقد احتوى على خلط كبير للأوراق، نعم كان هناك زوار للفجر في عصر عبد الناصر ورفعت قضايا عديدة، كان القانون هو الحكم في رد الحقوق والاعتبار للعديد ممن تعرضوا لجور، وهذه الأخطاء لا يمكن أن تكون مبررًا لطمس إنجازات وحقوق من ضحوا بحياتهم من أجل حماية هذا الوطن، لقد ارتبطت بعض الإجراءات الاستثنائية لمواجهة أخطار جسيمة ضد تنظيمات شيوعية وأخرى إسلاموية، وهذه الإجراءات رغم أننا نراها غير قانونية، فإن من كان في موقع المسئولية يراها ضرورية لحماية أمن الوطن، وعلى أثر نكسة 1967 حدث تحول كبير في أداء هذه الأجهزة كمتطلب الاستعداد للحرب، ولم يغب عنها أن هناك أعداءً بالداخل قد يكونون أشد خطرًا من عدو خارجي معلوم لدينا جميعًا.

أما بشأن ميزانياتها، فالقانون واضح كما أشرت آنفًا، ورغم ذلك سأضرب بعض الأمثلة، هناك جوانب تتطلب السرية المطلقة، ونتساءل هنا هل أعلنت الولايات المتحدة عن حجم المليارات التي رصدت لعمليات تفكيك الاتحاد السوفيتي منذ بداية السبعينيات أو لتأسيس تنظيم القاعدة في أفغانستان الذي مازالت تديره بصورة أو بأخرى في العديد من البلدان وتحاربه في آن واحد، في معادلة قد تكون غير مفهومة لدى بعضهم، ولكنها واضحة لمن يدرك عملية الدمج بين الأمن والسياسة.

لكن ما يثير التحفظ هو الحديث عن تحول الاهتمام بالدور الداخلي على حساب الدور الخارجي – هذه المقولة جانبها الصواب تمامًا؛ لأن العمل المعلوماتي ليس اختياريًا في ضوء تهديدات واضحة وصريحة – وحديث د.حنفي عن حماس والرد بسيط وعلى مرأى العالم، هل الأنفاق التي حفرت من غزة إلى مصر كان وراءها هدف نبيل؟.. وهل تدريب كوادر تنظيمات إرهابية في غزة تحت عين وبصر منظمة حماس التي تدير القطاع عمل أخلاقي؟.. وماذا عن اعتراف قيادات إخوانية إرهابية بأن حماس هي الذراع العسكرية لتنظيم الإخوان؟.. أترك الحكم هنا للقارئ.

أما الحديث عن أن هذه الأجهزة الأمنية داعمة للنظام على حساب الدولة، فكيف كان موقف جهاز المخابرات العامة في أحداث يناير 2011، وطلبها من مبارك المغادرة حماية لأمن الوطن؟.. وكيف كان موقف المجلس العسكري الذي وقف بكل قوة بجوار الشرعية الشعبية حاميًا لمنشآت ومقدرات هذا الوطن؟

أنا هنا لا أدافع عن أحد، بل أضع نقاطًا مضيئة فوق الحروف ضد محاولات جارية لتشويه مؤسسات قومية، أثناء إدارتها لحرب ضروس داخليا وخارجيا على إثر نتائجها يتحدد مصير أمة، إن لم يكن منطقتنا العربية بأسرها، وأدوات الخصوم معلومات مغلوطة أو تشويه متعمد أو تصفية حسابات سابقة أو إشغالها بقضايا فرعية، وهي تقاتل في قضايا كبرى أقلها الإرهاب.

وفي نهاية المقال، أطرح سؤالًا: ألم يكن حوار رموز الأمة بعد 30/6 لبناء وصياغة خريطة للطريق للخروج من النفق المظلم الذي وضعنا فيه تنظيم الإخوان الإرهابي من أجل حماية الوطن، وتأكيدًا لسيادة الأمة قبل أجهزتها ومؤسساتها؟.. ألم تكن خريطة الطريق تعبيرًا دقيقًا عن السيادة التشاركية التي تدعو لها الديمقراطية الغربية؟.. أرجو أن تكون الرسالة قد وصلت!
الجريدة الرسمية