رئيس التحرير
عصام كامل

غواية الرئيس!


بصراحة والصراحة راحة، نقول بهدوء أعصاب وبنقر هادئ على الكيبورد، أن اللعب في الدستور هو لعب عميق في أساسات عمارة الثقة الناهضة بين الشعب المصري، وبين الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبصراحة أكثر فإن التبشير والتطبيل والتمهيد الإعلامي من بضعة هتيفة متشنجين، يظهرون للناس أنهم احتكروا الحكمة السياسية والإستراتيجية في البلد، بضرورة تعديل الدستور، هو تجريف بلا طائل لعلاقة تسليم وتسلم بين رجل اختار أن ينقذ شعبه من مصير مظلم وبين شعب وثق في جيشه.


لماذا تريدون غواية الرئيس؟!.. لماذا تزينون له السقوط في فخ الفردية؟!

يقولون له إن الدستور يعطي للحزب الفائز بالأغلبية حق تأليف الوزارة، ويدعمون مخاوفهم بأن الناس قد يختارون حزب النور السلفي المتطرف، تحت وطأة الجهل والغواية الدينية وصكوك دخول الجنة التي يخدع بها السلفيون العوام، فضلا عن تموين شامل من سكر وزيت ولحوم وسوفالدي لعلاج الكبد المهترئ!

يقولون للرئيس إن مخيون قد يؤلف الحكومة، ومن ثم يعود المتأسلمون إلى عرش مصر، ويستهل الظلاميون الجدد عصرهم بهدم أبو الهول والأهرامات، ومعابد الكرنك والأقصر، وتدمير المتاحف وجباية الجزية من القبط!

يقولون للرئيس وللناس إن بوسع مجلس السلفيين والإبريليين عزل الرئيس، ولم يقولوا له وللناس إن آلية عزل الرئيس المنصوص عليها بالدستور شديدة التعقيد، فلا بد أن يطلب ثلث أعضاء المجلس عزله، ولا بد أن يوافق على الطلب ثلثا الأعضاء، ويطرح الأمر لاستفتاء شعبي، فإن وافق الشعب فيها، وإن لم يوافق نجح الرئيس وسقط البرلمان، ومن حق الرئيس أن يحل وسط هذا البرلمان، ويدعو لانتخابات برلمانية جديدة.

يقولون للرئيس أيضا إن صلاحياته وسلطاته أقل من صلاحيات وسلطات السيد رئيس الحكومة، ومن ثم فسوف يصبح الرئيس قطعة ديكور سياسي، والأمر كله منعقد لمخيون السلفي أو عبد الجليل البدعاوي بتاع الجمعية الوطنية، بتوع الاسم الكودي صحوة مصر، والحمد لله خرجوا إلى حيث ألقت!!

وقبل أيام قال الرئيس إن دستورنا مكتوب بنوايا حسنة، وإن هذه النوايا من النوع الحسن، لا تصلح لبناء الأمم، وقد فهمت جوقة المعدداتية في الفضائيات والورقيات، أن هذه علامة بدء الهجوم لتعديل مشاعر الناس وأفكارهم تجاه البقرة المقدسة!

لا أحسب أن الرئيس يهدف إلى تعديل في الدستور حاليا، على الأقل؛ للأسباب الآتية:

أولها أن فتح باب التعديل في صلاحيات الرئيس ورئيس الحكومة، وتعلية سقف السلطات للرئيس، وخفضها لرئيس الوزراء، أيا كان، من شأنه أن يستهل مراحل تالية من فتح متتالٍ؛ لنزع المزيد والمزيد من السلطات، تنتهي في حجر وكرش رئيس الجمهورية، أيا كان.

ولا نحسب قط أن الرئيس السيسي به طمع أو هلع على سلطة مطلقة.

ثانيها أن إغواء الرئيس وإقناع الشعب بالتعديل، سيجعل التلاعب بالدساتير، لحد معاداتها، وإسقاط احترامها، قرينا لحكم يقف على رأسه قائد من الجيش، وسينعكس ذلك كله على المؤسسة العسكرية، التي نجلها عن الطمع أو معاداة الدستور، أو حتى الرغبة في نزع أنيابه لصالح رئيس خارج من رحمها الطيب.

ثالثها، سيقولون إن السيسي فتح وعدل لأجل أن يغير مدة الحكم، لتصير مفتوحة، ولنرى مبارك آخر!.. مع أن الذي فتح مدد الحكم، كان الرئيس الراحل أنور السادات!

فهل هناك الآن ضرورة حتمية تاريخية تستوجب تعديل دستور، هو بذاته ما زال ميتا حتى اللحظة؛ لأنه لم يفعل، عبر قوانين يشرعها مجلس نيابي تحت التشكيل لم يزل!!

ابعدوا عن الرئيس يا صناع الطغاة!.. عند المصيبة العظمى سينظر حوله مستغيثا، فلن يرى منكم رأسا أو عونا!!
الجريدة الرسمية